يعد التعليم في أي بلد من أهم المؤشرات على تقدمه ونهضته، ولأجله تبذل الجهود الحثيثة، وتصاغ السياسات والنظم، وتعدل وفقاً لأحدث الطرق والأساليب التي تعمل على إحداث نقلات نوعية في كوادره ومؤسساته، وبالتالي مخرجاته. لذا يوضع دوماً في أعلى سلم الأولويات في الموازنات السنوية. لكن التعليم في اليمن في تراجع مستمر.
وأوضح عميد كلية الإعلام الأسبق، الدكتور عبدالرحمن الشامي، أن التعليم في اليمن، ومنذ قيام الثورة اليمنية، لم يجد الاهتمام الذي يليق به، من كافة الحكومات المتعاقبة على حكم اليمن. فالتعليم لم يكن إحدى أولويات هذه الحكومات.
“صحيح أن هناك مدارس وجامعات ومعاهد.. وتوسعاً في إنشائها، لكن ليس هذا كافياً، ولا يحقق أبسط متطلبات العملية التعليمية، باعتبارها رافعة التقدم في أي مجتمع من المجتمعات”، يقول الدكتور الشامي.
خرجت الجامعات اليمنية من بين 500 جامعة شملها تصنيف شنغهاي للعام 2016 (تصنيف عالمي للجامعات سنوياً)
ويضيف: “أثر هذا التوجه على مخرجات التعليم: الكيفية والكمية، وأصبح لدينا خريجون، يزداد عددهم كل عام، وفي المقابل، تضعف مستوياتهم عاماً تلو آخر، في معادلة مقلوبة، بعكس ما يحدث في سائر بلدان العالم المتقدم. لكن سنوات الحرب أسهمت في ضعف المستوى التعليمي لمخرجات الجامعة”.
وخرجت الجامعات اليمنية من بين 500 جامعة شملها تصنيف شنغهاي للعام 2016 (تصنيف عالمي للجامعات سنوياً). مع العلم أن جامعة عدن الوحيدة التي شملها تصنيف 2015.
لماذا يتراجع التعليم الجامعي؟
ويرجع محمد الفتاحي، الموجه في مادة الفيزياء، أسباب تدني مخرجات التعليم، إلى أن أغلب الطلاب يعانون من قصور في ممارسة المهارات العقلية وعمليات العلم، في ظل ضعف في أساسيات القراءة والكتابة والحساب، وافتقار إلى مهارات الاتصال والتواصل، نتيجة انعدام الثقة بالنفس، وعدم القدرة على التفكير العلمي السليم، وعلى حل المشكلات، الأمر الذي يفضي إلى ضعف الرغبة في مواصلة التعليم اللاحق في المرحلة القادمة، وبالتالي ضعف الولاء الوطني لدى التلاميذ، ما يجعلهم صيداً سهلاً لأتباع الأفكار الضالة المدمرة للمجتمع.
والغريب في الأمر أن المعدلات خلال السنوات الماضية، تأتي مرتفعة جداً، حيث أصبح الرقم 90% في الثانوية أمراً عادياً، في حين كان هذا الرقم يرمز لطالب أقل ما يقال عنه إنه متميز في السابق طبعاً. فيذهب هؤلاء الطلاب تحت إغراء المعدلات الكبيرة، للتقديم في الجامعات، فلا يستطيعون تجاوز امتحانات القبول، كما يقول الفتاحي.
ويقول المستشار الاقتصادي الدكتور كمال طميم، والمحاضر في الجامعة اللبنانية: “تختلف الآراء حول أحقية المعدلات العلمية لخريجي الثانوية من شخص لآخر، حيث يدعي الكثير أن هذه المعدلات التي تم تحقيقها ما هي إلا نتاج جهد وتعب الكثير، وأن هذا هو أقل القليل في حقهم، ولكن ما نراه ونلمسه من مخرجات الثانوية العامة أثناء التحاق مخرجاتها بالتعليم الجامعي، هو أن جودة التعليم لم تكن بذات المستوى الذي يؤهل الطلاب للالتحاق بالجامعة، ونحن من هنا لا نلوم الطالب ولا الأسرة ولا حتى المنظومة التعليمية ككل، حيث إن العملية تكاملية، فالبيت والأسرة على عاتقهما دور كبير، بجانب دور المؤسسات التعليمية، للوصول إلى أعلى مستويات الجودة العلمية، والترغيب بالتعليم وزرع المفاهيم من المنزل وصولاً للمدرسة بأهمية تطوير جيل قادر على مواكبة التطور الحاصل في العالم”.
ساعات دراسية غير كافية
ويقول طالب كلية التربية سعيد عبدالسلام: “طلاب هذه المرحلة هم أقل الطلاب حصولاً على ساعات دراسة حقيقية، حسب الساعات الاعتمادية في الجامعات. فمع الإضرابات والإجازات التي تفرضها الظروف بسبب الحرب والأمراض التي كان آخرها كورونا، تم تقليص الساعات الدراسية إلى أدنى مستوى”.
وليست المشكلة في التأخير، بل في عدم التأخير الذي تتطلبه مثل هذه الظروف الاستثنائية، فأغلب التخصصات في الجامعة لم يكمل المنهج، والدراسة عن بعد لم تتم كما يجب. فالنت ضعيف، والكثير من الطلاب لم يتمكنوا من متابعة ما يطرحه الدكاترة لهذا السبب، وفق سعيد، مضيفاً: “وفي الأخير تم دخول الاختبارات وهم مازالوا يدرسون يوم دارسة ويوم اختبار.. فكيف ستكون النتيجة!”.
سياسات تعليمية منقسمة
وفاقم الانقسام السياسي من مشاكل التعليم في البلاد، إذ بات لكل من حكومتي صنعاء وعدن سياستها في تسيير العملية التعليمية. ومثال ذلك ما حدث في العام الدراسي الماضي، إذ كان الطلاب في مناطق سيطرة حكومة صنعاء يؤدون اختبارات الثانوية العامة، وطلاب مناطق سيطرة الحكومة في عدن يتسلمون نتائجهم دون خضوعهم لامتحانات نهائية، بل تم احتساب النتيجة بشكل تراكمي من الصفوف الدراسية السابقة.
ويقول الطالب وحيد علي، الذي ينوي هذه السنة التقدم لاختبار القبول في الجامعة: “أنا وغيري من الطلاب على اختلاف مستوياتهم الدراسية، أكبر عائق لدينا بعد أن ننهي الثانوية، هو اختيار التخصص أو الجامعة التي سنلتحق بها، فلا شيء حاسم لدينا، فأغلبنا لم يفكر في هذا الموضوع من قبل، فقد أجلناه للوقت الذي سيفتح فيه باب التقديم، بعضنا يتجه بحسب رأي الأصدقاء، والبعض الآخر بحسب رغبة الأهل، والأغلب بحسب ما تفضي إليه نتيجة اختبار القبول”.
وتعاني مناطق الصراع في اليمن من ارتفاع نسبة التسرب من التعليم العام. ويؤكد تقرير اليونيسف للعام 2019، أن أكثر من نصف مليون طفل يمني قد تسرب من التعليم، فيما يبقى أكثر من 3 ملايين و700 ألف طفل على المحك، بسبب الأوضاع التي تعيش فيها اليمن منذ مايو 2015. ومع موجات النزوح الأولى، تحولت الكثير من المدارس لسكن للنازحين لسنوات، ولاتزال بعض المدارس غير شاغرة للتعليم حتى الآن