أنا مواطن بسيط لا علاقة له بأحد،مواطن غلبان ومُضطهد من قِبل ثلاث حكومات ،دوماً ما بذلتُ جهودي للنأي بنفسي عن كل الصراعات الضبابية الغامضة، صراعات الوكالة والدفع المسبق، لأنني جبان و “مش حق أكل عيش” كما يقول لي أحدٌ من المعارف الذين توشك كروشهم على الإنفجار من فرط أكلهم “للعـيـش” .
بإمكانكم القول أنني النموذج المثالي والمشرّف من المواطنين، ذلك النوع الذي “ياخذ على قفاه” ويقول “حاضر يا باشا”،ولم اشتكِ من ذلك أبداً، لم يسمع لي سكان العالم أي صوت، لم أقم بمهاتفة أيٍّ من قادة العالم الذين أخزِن أرقامهم الخاصة والسرية جداً في هاتفي كي لا تتطور المشكلة التي أعانيها لتصبح قضية إقليمية عابرة للقارات قد لا يستطيع أحدٌ إخماد نيرانها فيما بعد، لكن يبدو أن الأمور ستتجه للتصعيد، وأعتذر لكم عن ذلك.
لأسبابٍ مجهولة وجدتُ نفسي شخصاً يكره البن وأُصاب بمغصٍ معوي حاد كلما شربت فنجان قهوة أو ارتشفت القليل منه، وبالنسبة لي هذا سبب منطقي يفسر كُرهي للبن .
لعدة مرات خلال العام المنصرم وقعت حملاتٌ لإغلاق المقاهي والكافيهات في صنعاء، في البداية شعرت بنوبة من الفرح، “أخيراً عيمنعوا تقديم مشروب البن” ، هكذا فكرت للوهلة الأولى لكن سرعان ما اتضح أن الحملة تستهدف جميع المشروبات، القهوة والشاي و”الهوت تشوكلت” وغيرها الكثير دون تمييز، ولا يحق لك شربها سوى بالحضور مع زوجتك وبحوزتك عقد زواجكم الرسمي وطفلً من صلبك ورحمها ..!
كأي شاب أعزب استفزني الأمر، اغضبني أنني اصبحت خارج اللعبة، غير قادرٍ على التمتع بمشروب الهوت تشوكليت الذي كنت أنوي تجربته والإدمان عليه،لا تسألوني كيف حكمت سلفاً أنني سأتمتع به وادمن عليه لأنني اعرف ذلك “بدون كيف وليش”.
توترت، ارتفعت حرارتي وشعرت بالإحباط وفكرت في الشعب اليمني الذي يتضامن مع أي حاجة في أي حتّة، الشعب العظيم الذي سبق له وتضامن مع أشياء كثيرة، الشعب الذي سجلت له الكثير من المواقف البطلة، تضامن مع أنثى الفهد المرقط، مع قضية العمالة الرخيصة في الصين، قانون الإسكان المجحف بحق طبقة الفقراء في هاييتي، حملات الرش الضبابي لمبيدات النامس في النيبال،وحتى أنه تضامن مع الحوت الأزرق وتعاطف معه وقال عنه بأنه : مسكين لابد أنه يشعر بالبرد لأنه مبتل على الدوام .
فكرت أن أحدهم سيتضامن معي دون شك مسجلاً حضوره وموقفه، لكن صدمتي وحزني تضاعفا حين وجدت الجميع يوقع على شيكات التضامن لصالح المدعو : Coffee ! ادركتُ حينها أن الحلول انتهت، وأن الحقوق تُنتزع ولا تُطلب، أدركت حينها أنني ساستعيد حقي في تجربة الهوت تشوكلت والإدمان عليه دون أية تضييق،أدركت حينها أن الحلول السلمية لم تعد مطروحة على الطاولة وحان وقت حرب العصابات .
_برقية عاجلة :
مساء الخير سيدي جنكيز خان -المشير الحقيقي الوحيد في العالم- أُرسل لك هذه البرقية من مدينة تُدعى صنعاء، مدينة تُحوطها الجبال من جميع إتجاهاتها ولبلوغها ستحتاج لحوافر سميكة لأحصنة جيشك، وأعدك بأن بلوغها سيستحق كل التعب المبذول من قِبلكم حيث ستجد فيها كل ما ترغب به من سهول خضراء وجبال حصينة وجو معتدل يشبه جو سهوب منغوليا، والأهم من كل هذا، فور سيطرتك عليها وهزيمة حكومتها ستفتح المقاهي أبوابها مجدداً، وسأدعوك على شراب سندمنه للأبد،شراب سنحبه دون شك،سأدعوك على حسابي لنجرب معاً للمرة الأولى المشروب المفضل لنا “الهـوت تشوكلــت” وأرجو منك يا سيد جنكيز ألا تسألني من أين أعرف أنه سيكون مشروبنا المفضل،لأنني فقط أعرف ذلك “بدون كيف وليش”.
المُرسل :
صديقك المخلص ، اليمن 2020
المُستلم:
القائد جنكيز خان ، منغوليا ، 1207