مانشيتات

عن الأغنية اليمنية

هشام عادل

بعيدا عن مصائب هذا العام، عن الحرب، عن القاتل المعروف الذي لم نستطع إدانته، وعن الضحية المشكوك في أمرها التي لم يقرر العالم التعاطف معها بعد.

هنالك،في هذا البلد ما يستحق الوقوف على شرفه ليطبب أرواحنا، ويعزينا عن الواقع.

الوقوف على أعتاب الأغنية اليمنية، ما بين بساطة وسلاسة اللون العدني وشجن اللون الصنعاني، وما بين الحكمة التي تتباهى بها الأغنية الحضرمية وروح الأغنية التعزية، وفي تفاصيل اللون التهامي وبهجة الأغنية اللحجية.

فلسفة الدان ومزاج الشعر، وكل ما ساعد في جعل الأغنية اليمنية القديمة رصيفا للتائهين.

وككل شيء، الأغنية الجديدة نتاج ما سبقها، ونتاج الواقع أيضا، واقع المجتمع،ولا يمكن أن نعيب ما يقدم اليوم من شعر ولحن وطريقة غناء، أو أن نطالب بالتمسك بكل ما هو قديم والبقاء خارج هذا العالم، خارج الإيقاع السريع، خارج الآلات الحديثة،والتكنيك الغنائي الذي يتماشى مع الحالة الشعرية واللحنية الشائعة ليس في اليمن فقط. ولكن، هل تنصف الأغنية اليمنية الجديدة إرثها الفني؟ وهل يقدم الشعراء والملحنون الشباب إرثا ثقافيا يمكن التعامل معه اليوم،وغدا، وبعد عشرة عقود، مخزون فني جديد ترقص روح السامع له ويجن جسده،وتأخذه نشوة اللحن ليصرخ بعدها “الللللله..اللله”؟ ربما تفتقد أغنية اليوم إلى قوة الكلمة، واختلاف موضوعيتها.

وينقصها حبكة الجملة اللحنية غير المكررة. أي قليلا ما تجد اليوم شاعر غنائي كتب أغنية تفوق بها على نفسه، ولم يقم فقط برص كلمات موجودة في أعمال سابقة وإعادة ترتيبها.

أيضا غناء كل ما يكتب دون التروي والتدقيق،في الإختيار من قبل الفنانيين.

كل هذا يفقد الأغنية،ما يجب أن تكون عليه،ويقلص من عمرها.

نستطيع القول أن تجديد الأغنية القديمة،واحد من أهم ما يمكن أن يخدم الأغنية الحديثة.

فبالإضافة إلى أن الأعمال التي تم تجديدها تجد قبولها داخل اليمن وخارجه، حتى عند أولئك الذين لا يعلمون أين تقع اليمن،وكيف يعيش اليمني، ولماذا يغني، فإن التجديد يعرف الملحنين والموزعين الموسيقيين على أسرار خلود أغنية ابو بكر سالم والحارثي وأيوب طارش ومحمد سعد عبد الله وأحمد قاسم والآنسي وفيصل علوي وكرامة مرسال والعزاني والمرشدي والسمة وغيرهم، ويعمل على إثراء مخيلاتهم وذائقتهم.

في الأخير، وبما أن الفن يحمل المجتمعات على كفه ليعرفها إلى الآخر، ويعرفها إلى الأجيال القادمة، فكل ما يطرح في الساحة الفنية هو جزء منا، محاكاة لنا، ولا نستطيع أن نبرأ منه،أو أن نواجهه بالنكران أو أن نتملص منه ولكننا نستيطع أن نقدم ما يشرفنا،ما ينصف إرثنا الفني الكبير،وما يينقذنا من “خبز الأغاني وعجينها” كما هو مشاع مؤخرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق