عبدالحكيم بامخرم
مِن الكوميدي جداً أن أحاولَ تقبيلكْ في شوارع هذه المدينة , سيكونُ هذا أكثر الأشياء جنوناً وجموحاً من بين الأشياء التي قمتُ بها في حياتي .
في شارع الزبيري مثلاً سينظر نحونا كُل أولئك الموظفين و المصرفيين بإزدراء و “بنص عين” و سيكملون طريقهم متجهينَ ليوم عمل جديد ومحاولاتٍ جديدة للفتِ إنتباه سكرتيرة المدير العام الفاتنة علهم يحصلون على وساطة لدى المدير .
الأمر سيختلف تماماً في ميدان التحرير، في شارع المطاعم تحديداً , حينَ أبدأُ بالطقوسِ التمهيدية للقبلة سيعمُ الصمت فجأةً .. في هذا الشارع الذي لا يخفتُ ضجيجه حتى أولى ساعاتِ الفجر , سيخرج الطباخون رؤوسهم من المطابخ الحالكةِ الضلمة في محاولةٍ منهم لإكتشاف نوعِ هذه القبلة , هل هي “سداسي” هل هي “مثلوث” أو هي ببساطة شديدة “فاصوليا بالبيض” و الأهم من هذا و ذاك سيحكمونُ على طريقة طبخي لهذهِ القبلة … إن لم أكنُ طباخاً جيداً لها فالجميع سيتطوع لطبخها بكلِ حب .. بكل شغف .. و بكل “التوابع” و “اللحقات” .
في جولة مأرب .. أوووه يا عزيزتي لن تودي حقاً أن اخبرك … أعتقدُ جلياً أن شمال العاصمة ذاك لا زال يعيش في آواخر العصر الحجري و بدايات العصر البرونزي و لم يرتقوا بعد ليندرجوا تحت نظرية التطور ؛ .. (الرحبة ..الروضة .. المطار .. الجراف .. دارس ..هبرة .. الرشيد .. الحصبة) و كل الأحياء في ذاك التكوين الجغرافي الغريب و المخيف . تكثرُ في تلك المنطقة ثكناتُ جماعة “و الله لا نشفطكم” الذين تستطيع تميزهم و بكل بساطة عبر صراخهم الذي يشبه صراخ الهنود الحمر في فيلم العائد الذي شاهدناه معاً يا عزيزتي بإستثناء أن بطل هذه الصرخة لا ينال الأوسكار . سيكونُ من المأساوي أن يلقي أحد أتباعهم القبض عليَّ و أنا في منتصفِ القبلة تماماً , رغم أن معظمهم بنصف طولي لكنهم سيستمتعون بألقاء القبض على “حضرة جنابنا” و حتى لو أتصلت ب “أبو عجلة” و “أبو خط عريض” و حتى لو أتصل بهم “أبو هسة” شخصياً ليخارجني , لن أتخارج …….. على الأقل حتى يحصلوا على الخمس من القبلة خاصتي .
أولئك الحداثيين الملاعين في الحي السياسي سيلتقطون لي الصور بمختلفِ كاميراتهم الثمينة و سيفضحونني على الملأ ببيعهم الصور “للمقروط” الأكبر صاحب جريدة المستقلة الذي سيرحب بشراءها حتى إن توقفت جريدته عن الصدور . و سيقترب بعضهم مني بكل ميوعة و حداثية و القليل من الحيوانية ليخبرني إن كانَ بإمكانه تذوق ما أتناوله مبرراً تصرفه هذا بإنه إشتراكي حتى النخاع و بأن مولاه كارل ماركس أمرهم بإقتسامِ كل شيء … الواحد للكل و الكل للواحد . القبلة في هذا الحي ستكونُ مكلفةِ مقارنةً بميزانيتا الصغيرة , إصلاح و معالجة جمجمته التي سأثقبها بإستخدام عموده الفقري سيتطلب بيعَ كل ما نملك بما في ذلك ذهبك الذي لم أشترهِ لكِ بعد .
الفيمنست في شارع الجزائر و بدافعِ الغيرة منكِ فقط سيتحولن من المطالبة بقانون الكوتا و التمكين السياسي للمرأة الى المطالبة بقانون الطوارئ و حظر التجوال وحظر تبادل القبل طوال اليوم .. هذا الحظر الذي سيستمر لقرنٍ من الزمان , و في قلبٍ كل واحدة منهم صوت يصرخُ بحسرة و يبكي و يقول “أشتي من هذا” سيتطور الأمر لأصبح في الأخير عدوهن اللدود “المجغور” و “الممهود” و الذي يعاني من الدود ..(الرجـــــل الشـــــرقي) .
هناك في حي النهضة الأمر يسيير و لن نثير الجدل و سنضطر السكان هناك لمراجعة محلات العسل … البعض سيفكرُ في حكمٍ شرعي يجعلُ منكِ سبية و جارية له و البعض سيفكر بإصطحابي لنمارس السباحة و الرماية و ركوب . . . الخيل .
لماذا نعرضُ أنفسنا لكلِ هذا … في حين أنه يمكننا ملازمة المنزل و الرقص على أغنية shape of you و تناولُ الكعك النصف محترق الذي صنعته بالأمس ..؟
صدقيني في مدينتي يفسدون كل شيءٍ جميل .. لنحافظ على خصوصية الأمر و لنؤجل الأمر لحين ننتقل إلى باريس .