بالتزامن مع البريد الأميركي الذي رُفِع عنه الحجاب في الأيام القليلة الماضية وذكرى العدوان على ليبيا الذي راح ضحيته الزعيم الراحل معمر القذافي وعشرات الآلاف من الليبيين لابد من الإضاءة على العهد الليبي الجديد الذي تأسس بداية بجهود كل من غراب الحروب المفكر الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي وقطر التي كان لها قرصٌ في كل عرسٍ عاشه العرب منذ نكبات ربيع 2011.
تقارير المحللين للفترة التي تلت 2011 كانت تعتمد على التكهنات بأن ما جرى هو مؤامرة يقودها ليفي وكانت التقارير تستقي معلوماتها من مصدر مطلع هنا وصورة من هناك إلى أن جاء اليوم الذي كشفت فيه الإدارة الأميركية اللثام عن وثائق سرية لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون والمرشحة السابقة عن الديمقراطيين للرئاسة الأميركية لا يهم سبب كشف المستور الذي أتى في سياق التناحر والمنافسة بين الحزبين الأميركيين الديمقراطي والجمهوري لتولي إدارة البيت الأبيض.. المهم ما تم كشفه عن التآمر العربي والغربي على دول الصدارة في الأمن القومي العربي وخاصة ليبيا.
تقول الرواية ياسادة إن رسائل البريد الإلكتروني لكلينتون فيما يتعلق بالملف الليبي كشفت الدور التخريبي لقطر وتنظيم الإخوان المسلمين وكيف تم تحويل طرابلس وغيرها من المدن الليبية إلى بيئة مثالية للمليشيات والفكر المتطرف عبر أدوات سعت للتمكين لأنفسها من بوابة الإخوان المنتصرين في مصر آنذاك بدعم قطري تركي..
ومثلها رسائل تكشف المؤامرة التي دُبرت لإسقاط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي بتدبير من الإليزيه بإشارة من الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي مسنداً المهمة لعراب “نكبة فبراير” الصهيوني ليفي وكيف تم تصعيد وإشعال الفتنة بين أفراد الشعب الليبي والمشاركة القطرية لحلف الناتو في قصف ليبيا بحجة دعم ما أسمتها “ثورة فبراير”، رغم تحذيرات من أن قطر تسعى إلى لعب دور أكبر من حجمها في ليبيا عبر تمويل ودعم مليشيات الإرهاب وأمراء الحرب.
وفي عهدها الجديد تعيش ليبيا بأزمات مالية وإنسانية واجتماعية وسياسية بسبب سيطرة الميليشيات المسلحة والفاسدين على معظم المؤسسات حيث لا يحصل المواطن حتى على أدنى متطلباته اليومية في بلد يعتبر من أغنى الدول في الثروات فيما أدت التدخلات الخارجية وانقسام مؤسسات الدولة إلى تردي الأوضاع المعيشية والخدمية للمواطن.
ليبيا التي حولها ليفي إلى خراب بعد تدميرها بدبابات وطائرات الناتو لم يكن في حسبان أهلها الذين ركبوا قطار ربيع ليفي أنهم ذاهبون إلى مأساة ستطال أصغر تفصيلاتهم فقتل عشرات الآلاف منهم وهجر الملايين إلى دول الجِوار، وتحوّل نهرهم العظيم إلى نهر من دماء أبنائهم والحرية التي حلموا بها كانت تدمير الحضارة والمدينة وتبرير القتل والسرقة.
وعندما جاء ليفي ليتفقد إنجازاته في وقت سابق من العام الجاري كان لابد من تساؤل مثير للذين استقبلوه الطامحين بالمناصب من البوابات العسكرية والسياسية وحتى التخريبية، هل سمعوا ما قاله عندما كان يقود بلدهم للدمار.. لقد شاركت في “ثورة فيراير”ليبيا من موقع يهوديتي..؟ هل وضعوا نصب أعينهم كيف حول بلدهم إلى دويلات متناحرة في الشرق والغرب أما في الجنوب فالتآمر جار بالتوطين سعياً لانفصاله؟
وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً لاختصار العهد الجديد علينا أن نسترجع ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحاته المثيرة للجدل كالعادة وذلك في مقابلة مع شبكة “سي ان ان” لو ظل الزعيم الليبي معمر القذافي في الحكم لكان العالم اليوم أفضل حالاً.. الحقيقة بأم عينها نطقها مجنون وعلينا أن نأخذ الحكمة من أفواه المجانين.
أما الدول الغربية فلاحظت أن سياستها باستهداف القادة فرّخ حالة من الإرهاب ارتدت إلى قلب أوروبا وكأن لسان الحال يقول هذه بضاعتكم ردت إليكم والحنين إلى الاستقرار بات أحلاماً تراود كل من صفقوا للخراب والقتل.
واليوم مع انطلاق الحوارات والمباحثات والمفاوضات للوصول إلى السلام المنشود في كل من المغرب والقاهرة وجنيف وتونس قريباً يعيش ملايين الليبيين على أمل أن تنهض يد من تحت ركام الخراب تنتشلهم من مآسيهم فهم يملكون ثقة مطلقة بأن من دمر وخرب وهدم لن يكون يوماً مُعمِّراً أو مُعمَّراً.
البعثة الأممية إلى ليبيا اشترطت على الراغبين بالسفر إلى تونس التعهد بعدم استلام أي منصب في المستقبل إذا كانت غايتهم مصلحة البلاد والعباد لكن لسان حالهم يقول نحن سادة هذا العهد الجديد فهل يعقل بعد كل التضحيات(العمالة للأجنبي) التي قدمناها نتنازل عن مكاسبنا، ونسوا أن العميل نهايته ستكون وخيمة ليتهم يأخذون العبرة من أنطوان لحد العميل اللبناني لإسرائيل كيف تحول من قائد جيش الجنوب إلى بائع فلافل في شوارع تل أبيب.