لوهلة سيبدو موقفي متناقضًا مع ما قلته في الفيديو الأخير المنشور على صفحتي العامة في الفيس بوك، والداعي لدعم الحوار والاتفاق وبناء السلام.
في الحقيقة هذا الموقف راسخ ومبدئي، ولكن لا يعني أبدًا ألّا ننتقد الأداء السياسي العام وتوجهات البعثة؛ فالاختلاف هو أساس الحوار السياسي العقلاني، وسنة من سنن الله في الكون. لقد مثّلت قائمة البعثة صدمة حقيقية للشارع الليبي، وجاءت ردود الأفعال عنيفة نسبيًا، ولم تخلُ من اتهامات للبعثة بالانحياز والدفع باتجاه تقوية تيار على آخر، وجاءت سلسلة من البيانات التي لم تتوقّف رافضة للحوار وللقوائم والمُخرجات.
للأسف كل ما سبق لن يغيّر من واقع الأمر شيئًا، فلا البعثة ستتراجع عن خياراتها ولا الحوار سيتوقف؛ لأن الخيارات الدولية لا تبحث عن العودة للبندقية، وتعتقد بأن فورة العنف يجب أن تنتهي، وأنه حان الوقت لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، وضخ الأموال الطازجة من ليبيا باتجاه بعض الاقتصادات التي تأثرت من الركود الاقتصادي، (حقيقة) قد ينكرها البعض، متعللًا بأن ليبيا ليست مطمعًا، وأني (الكاتب) مهووس بالمؤامرة، ولذلك سأقول له: ليبيا هي أرض الثروات المفقودة .
بالعودة للحوار والقوائم والجدل، كالعادة تمارس البعثة ومن خلفها المجتمع الدولي سياسة الأهداف الوهمية، إذ تمكنت من تشتيت الرأي العام والمحللين والمتحدثين عن صلب القضية، وهي التفاعل والبحث والتدقيق في الآليات واللائحة المنظمة، التي سيتم اتباعها في الحوار السياسي الليبي الذي سينطلق اليوم عبر الدوائر المغلقة قبل أن ينتقل للعاصمة تونس في مطلع نوفمبر، ليأخذ النقاش منحى الاعتراض على الأسماء والتمثيل، وهو إثارة للجدل واللغط الذي لا طائل منه، فالتسريبات المتعلّقة بالإطار العام والنظام الذي سيتم اتباعه في اختيار السلطة واقتراحها يؤكّد بما لا يدع مجالًا للشك أن كل الحديث والبيانات هو تحصيل حاصل.
اللائحة تضع نقاطًا تعجيزية وتراتبية لإنتاج مُخرجات مسبقة، أي أن الصفقة معدة سلفًا، والواصلون للعاصمة تونس لن يكون بإمكانهم إحداث الفارق، فالأروقة الدولية ستقول كلمتها بشكل عملي، ودون إثارة للبلبلة والصدامات، فمدونة السلوك التي وقّع عليها المشاركون في الحوار تغلق الباب أمام التسريبات، وخرقُ القواعد الدولية وبروتوكولاتها ليس أمرًا هيّنًا في هذه الأشغال. إنّ فرضية تشكل السلطة بتوافق يصل لـ75% بين الليبيين، هو في الحقيقة إغلاق لإمكانية الوصول إليه، ودفع باتجاه النقاط التقييمية العشر التي ستضعها البعثة (لا أعلم سر تذكُّرِي لعشر دول حضرت برلين)، وهذا التقييم من عشر نقاط هو الذي يسمي رئيس الوزراء في النهاية، ذاك الذي ستكون لديه صلاحيات كبرى ليس أقلُّها تسمية رئيس المؤسّسة الوطنية للنفط ورئيس المؤسّسة الليبية للاستثمار.
إذًا نحن أمام أشغال ملتقى لديه فرص ضئيلة لإنتاج اتفاق ليبي حقيقي، ويمكن أن ينتج توافقًا دوليًا أكثر ديناميكية وتفاعلية. أما الملتقى السياسي المتروس بقادة الإسلام السياسي وحلفائه، فقد يكون الطريق المعبد ببعض الضغوط وبعض المكاسب لإنهاء جسم انتخب ل240 يومًا فاستمر لثماني سنوات، وتمرير اتفاق يبني مرحلة جديدة ستشهد في مطلعها فورة عنف قصيرة ومحدودة .
و حتى 15 نوفمبر موعد إعلان الإتفاق سيكون هناك الكثير والكثير من بالونات الاختبار والأهداف الوهمية لإشغالنا عن كواليس الحوار المظلمة . نعم للحوار والسلام، والسلام ختام.