مانشيت

“العبقري المجنون” إميل سيوران..قراءة في أهم أعماله

محمد علي اليوسفي

 

1- موجز التفكيك
أول كتاب يؤلفه سيوران باللغة الفرنسية مباشرة، أسلوب فيه الكثير من المبالغة والكتابة الكلاسيكية “الباروكية “. لم يبلغ فيه ايجاز الحكمة بعد. نبرة استفزازية. بداية إعلان عن موضوعاته الأثيرة: الشر، الخلاص، التاريخ، الانحطاط، القداسة، مصادر التدمير الذاتي. ويعتبر النقاد هذا الكتاب.الخلية الأم لأعماله اللاحقة. بنبرته الرؤيوية التي تكاد تكون نيتشوية (نسبة الى الفيلسوف نيتشه ) والميتافيزيقيا السلبية التي تستند الى أفضلية العدم حيث “الكائن مجرد ادعاء باللاشيء”وما النتيجة التي يتوصل اليها الرائي الا “رؤية تخطط فيها الحكمة بالمرارة و… بالمقلب !”.

2 – قياسات المرارة
يختلف هذا الكتاب عن الكتاب السابق بتلاشي الغنائية المتمردة لصالح الصلافة الساخرة والحكمة المقطرة، فإذا الحكمة والفكاهة السوداء والمفارقة نتحالف مع النزعة الارتيابية من أجل قلب القيم السائدة.

3- إغواء الوجود
العدمية تؤدي الى الجمالية، ما من حل آخر غير الاقامة في وهم الوجود وهو الأمر الذي يعني بالنسبة للكاتب، تعويض خواء الكون برمز الخواء ذاته: أي الكلمة، اختبار سيوران “محاسن المنفى” كي يقيم في “مدينة اللاشيء” قطع الجذور ليصير “غريب الميتافيزيقا “. مع تأملات ينطوي عليها الكتاب حول الشعر والرواية والكلمة. فيضع سيوران شقته في حقيقة الكلمة “خلق الكلم “.

4 – بحث في الفكر الرجعي
يتناول سيوران في هذا الكتاب مختارات من نصوص الكاتب المتصوف جوزيف دي ميستر: ذلك “المفكر المغالي ” الذي يفري «بفصاحة الشراسة ». وهو صوفي ساخر، قاريء جيد للعهد القديم لكنه يمتاز أيضا بانتمائه الى القرن الثامن عشر. وأهم ما فيه أنه موسوم، مثل سيوران، بـ «ختم المنفى» ويؤمن مثله بسقوط الانسان لأن الشر يسكن أفعاله، غير أن سيوران يأخذ على جوزيف دي ميستر إيمانه «بالخطيئة الأولى ».

5- التاريخ واليوتوبيا
مثل كتاب «إغواء الوجود» يضم كتاب «التاريخ واليوتوبيا» مقالات مطولة غير أن سيوران يبدو هنا أقرب الى المؤرخ منه الى الفيلسوف، فيبحث عن الدوافع الخفية وراء مختلف الأنظمة السياسية بالطريقة ذاتها التي توخاها في دراسته عن جوزيف دي سيستر: ان الايديولوجيات تختلق فراديس في الزمن، ويكون موقع تلك الفراديس إما في الماضي (النشأة ) أو في المستقبل، وذلك حسب الرغبة في الدعوة الى الحنين للماضي، أو الى عبادة التقدم.

6- السقوط في الزمن
هذا الكتاب يضم جوهر أفكار سيوران ورؤيته الميتافيزيقية. أهم كتبه ومفتاحها، تاريخ الوعي هو تاريخ محنته لقد نفي الانسان من براءته الأولى وسقط في التاريخ. هذا السقوط يقوده الى رعب الصيرورة، أول درجة من درجات سقوطه وانحطاطه. لكنه مهدد بالسقوط من هذا الزمن أيضا بسبب الشك الذي يحول الزمن الى “أبدية جهنمية ” والى السأم. “الجحيم هو المكان الذي نحكم فيه بالزمن الى الأبد” والارتيابية طرح بمثابة الصيغة الدنيوية للشيطاني. وحتى جعل المعرفة مطلقا آخر، انما يعني عبادة اللامعني. ما من منفذ الا هذا: تحويل هذا العدم الى امتلاء والتخلص من الثنائية عبر التجربة الموحدة للخواء والمؤدية الى عتبة البوذية والصوفية.

– الانسان سجين الوقت. انفصل عن عاهة وعن ذاته. إنه يهرب نحو المستقبل محبوسا بسبب التسارع المدوخ للزمن. وهو ما يميز الحضارة.

– هذا الانسان المحاصر والمستعبد من الزمن يستطيع السمو الى عظمة مأساوية بفضل الشك، هذه المسافة النقدية التي يقيمها مع ذاته. لكن اذا كان هذا الشك ثأره فهو أيضا خسرانه “تبدأ الحضارة بالأسطورة وتنتهي بالشك ». – أن تكون انسانا ليس حلا، وكذلك أن تكف عن أن تكون كذلك »!

– من أجل كسب الحرية ينبغي «التمرن على أن تكون لاشيئا» وهي الطريق الوحيدة لبلوغ براءة ثانية.

– المرض يقظة تكسب الانسان زيادة في الكينونة.

7- الخلق السيىء
مشكلية الشر هي جوهر هذا الكتاب. فيه يفصح سيوران عن مباديء غنوصية عرفانية (نزعة فلسفية دينية تهدف الى ادراك كنه الأسرار الربانية ).

– وجود مبدأ الشر في أصل النشأة.

– المسيحية في ضوء مبدأ الشر.

– البوذية ومفهوم الخواء.

8- مساويء أن يكون المرء قد ولد
مجموعة من الحكم. الأصل: لماذا الرضا بالقليل أفضل من لا شي ء؟ ويمكن تلخيص الكتاب هكذا «آه ! لو ولدنا قبل الانسان !» نوستالجيا، حنين الى «زمن ما قبل الزمن » حتى نتفادى كارثة الولادة. إذن فالشر خلفنا وليس أمامنا.

– التراجيديا الحقيقية للانسان هي في استحالة العودة الى زمن الماضي وبلوغ عدم ما قبل الوعي.

9- التمزق
بعد التأمل في مفهوم التاريخ ضمن أعمال مسابقة، يتناول سيوران في هذا الكتاب ما بعد التاريخ. ويحاول تخيل إحدى النهايات المحتملة لحضارتنا، “بالمراهنة على الكارثة ». النهاية المحتومة للانسانية “مقدرة ومكتوبة في بداياتها” ذلك أن الجنس البشري بعد أن غادر براءته الأولى، يمعن في الانحطاط والعماء.

10 – تمارين الاعجاب
هذا الكتاب يضم المقالات والمقدمات التي كتبها سيوران عن كتاب آخرين. غير أن هواجسه الشخصية تبرز من خلال آرائه في الآخرين. وكما يدل عنوان الكتاب فهو “بورتريهات اعجاب”. ويتحدث فيه سيوران عن مفهومه الخاص للأدب “الكتابة رذيلة » لكنها رذيلة خلاص، لأن التعبير يطهر وهذه ليست كلمته، فلنقل: لأن التعبير يؤدي الى بعض الراحة. ومن آرائه في الآخرين نقتطف:

– جوزيف دي ميستر: أشد المفكرين شغفا وتعصبا. وحش فاتن !

– بيكيت: جعل من حب الكلمات “سنده الوحيد”.

– هنري ميشو: المهووس القادر على أن يكون نزيها. المتصوف المكبوت.

– ميرسيا إلياد: بعيد وغريب عن كل الديانات التي يدرسها، ومع ذلك فهو قادر على العطاء والخصب.

– سان جون بيرس: يتحدى العدم “من أولئك الشعراء الوسطاء في النزاع القائم بيننا وبين العالم ». وهنا كتاب آخرون نستطيع تقريبه منهم:

– كايوا: المخفق في عالم التصوف.

– بورخيس “الحضري المترحل ” أو “الحضري بلا وطن “.

11- اعترافات ولعنات
متابعة للحكم المقطعية التي تأتي على شكل شذرات، وتتناول التيمات المعتادة: الخواء، الخيبة، انحطاط الكائن الخ.. وصولا الى الشيخوخة، ومحاسبة الذات. منذ العنوان: اعترافات، بمعنى التمرد والقبول. ومضات، لحظات فالتة. حكم قصيرة «أصبنا كنا بعدوى الأمل ». عودة الى تأمل الموسيقى. نوع من عودة الفكر الى لحظات صفاء وسكينة. تسليم: “ليس للحياة أي مبرر وجود، وهذا هو المبرر الوحيد، على أية حال “.

12 – دموع وقديسور
ترجم هذا الكتاب من الرومانية من كتابة الشباب، مع تشذيبها من الحمية الأولى. نوبات تفكيره “الشغف بالمطلق في روح مرتابة “. الدموع تعكس آلام الحنين للمطلق، والمنفى الماورائي. والقديس أو المتصوف ينوس “بين هوى الوجد ورعب الخواء”.

13- على ذرى اليأس
هو أول كتاب وضعه بالرومانية وكان في الثانية والعشرين من العمر. وهو كتاب منبثق من عنف داخلي “لو لم أكتبه لانتحرت ». غنائية وشكوى من الوجود. مديح النار. الشباب. إحالات الى الطاقة الحيوية عند نيتشه. “استسلام المتصوف ينبجس من الخواء وليس من النار الباطنية ” ويؤاخذ الحكيم لأنه يتجاهل “مأسوية الهوى” فما من فكر خلاق حقا يتخلى عن ذاتيته، ومن هنا صفة “المفكر العضوي” التي ينتسب اليها سيوران، أي المفكر الذي يحول حالاته الى معرفة ويستخلص نظرياته من لحمه ودمه من تجربته الذاتية.

 

*من صفحة الكاتب على فيسبوك

Exit mobile version