قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الليبي، الدكتور مصطفى الفيتوري أنه في غضون شهرين فقط تغير الوضع في ليبيا بشكل كبير، مما خلق الأمل في أن حل الأزمة الحالية قد يكون قاب قوسين أو أدنى، مُشيرًا إلى اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” في جنيف، والذي انتهى بإقرار وقف دائم لإطلاق النار.
وذكر الفيتوري في مقال بصحيفة “ميدل إيست مونيتور”، تحت عنوان: “هل يوجد ضوء في نهاية النفق لليبيا؟”، طالعته وترجمته “مانشيت”، أنه على الرغم من عيوب الوثيقة الموقعة في 23 التمور/أكتوبر الجاري، إلا أنها تنص على وقف إطلاق النار على مستوى ليبيا، لافتًا إلى أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا نجحت في الجمع بين الطرفين لإضفاء الطابع الرسمي على وقف إطلاق النار.
وأشار إلى بيان مجلس الأمن الصادر يوم الثلاثاء الماضي، الذي رحب فيه المجلس التابع للأمم المتحدة بالتطور ودعا الأطراف الليبية إلى إظهار نفس التصميم في التوصل إلى حل سياسي من خلال منتدى الحوار السياسي الليبي، لافتًا إلى أن الاختبار الحقيقي لاتفاق وقف إطلاق النار سيأتي عندما يتم عقد منتدى الحوار الليبي في 9 الحرث/نوفمبر القادم في تونس العاصمة.
وتطرق إلى ما أبدته ستيفاني ويليامز ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا من تفاؤل لأنها ترأست اجتماعًا افتراضيًا تحضيريًا مؤلف من 75 مشارك سيحاول رسم الطريق نحو السلام في البلاد في اجتماع عُقد على شبكة الإنترنت يوم 26 التمور/أكتوبر الجاري، وحثت فيه المشاركين على “وضع المصلحة الوطنية العليا” فوق كل شئ.
وبيّن الفيتوري أن منتدى الحوار الليبي في تونس لم يبدأ من فراغ، وأنه بالفعل هناك تقدم سياسي صغير تم إحرازه، مُضيفًا أن هناك اتفاق على معايير مشتركة لاختيار رؤساء المناصب السيادية في ليبيا، وهي سبع مناصب من بينها محافظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس المحكمة العليا.
ولفت إلى أنه يُنظر إلى تلك الاتفاقية الموقعة في 7 التمور/أكتوبر الجاري كخطوة أولى نحو تسهيل إعادة توحيد مؤسسات الدولة المنقسمة، وأنه يمكنها أن تساعد في تسهيل الحوار السياسي القادم، مُوضحًا أنه منذ عام 2014م، تم تقسيم معظم المؤسسات البيروقراطية الليبية بين الإدارتين “الوفاق والمؤقتة”، وبسبب عدم وجود اتفاق سياسي شامل، حتى الآن، جعل مناقشة توحيدهم خطوة غير مجدية بسبب وجود حكومتين منفصلتين.
وأردف الفيتوري أنه إذا سار منتدى الحوار الليبي في تونس كما هو مخطط له، فإن ويليامز تأمل في الحصول على توافق في الآراء بشأن إعادة تشكيل حكومة الوفاق بطريقتين بأن يكون هناك مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء، بدلاً من تسعة أعضاء كما هو الوضع حاليًا، وأيضا تشكيل حكومة وحدة وطنية منفصلة ومستقلة مقبولة من كلا الطرفين والإدارات الحالية، مُستطردًا أن ذلك من المفترض أن يستمر لفترة انتقالية قصيرة يجري بعدها استفتاء دستوري وانتخابات تشريعية ورئاسية وطنية.
ونوه إلى أن ذلك كان نفس تصور مبعوث الأمم المتحدة السابق غسان سلامة العام الماضي، والذي كان على وشك تفعيله عندما هاجمت قوات الكرامة العاصمة طرابلس مما دفع البلاد إلى حرب استمرت عامًا كاملاً، موضحًا أن الأمور لا تبدو واعدة بالنسبة للحوار الليبي القادم الذي سينعقد في تونس.
وعلل الفيتوري سبب رؤيته تلك، بأن المجلس الأعلى للإخوان المسلمين “الدولة الاستشاري”، بدا رافضًا لأجزاء من اتفاقية وقف إطلاق النار “5+5″، حيث أعلن أن بنود اتفاقية وقف إطلاق النار لا تنطبق على الاتفاقية الأمنية لحكومة الوفاق مع تركيا الموقعة العام الماضي، مُشيرًا إلى أن الفقرة 2 من المادة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار تطالب جميع القوات الأجنبية بمغادرة ليبيا في غضون ثلاثة أشهر، ما يتعارض مع الاتفاقية الأمنية لحكومة الوفاق مع تركيا.
كما تطرق في مقاله، إلى المقابلة المتلفزة في 24 التمور/أكتوبر الجاري، والتي شهدت إصرار الناطق باسم عملية الكرامة أحمد المسماري، على أن الاتفاق يعني تركيا على وجه التحديد، حيث تقف أنقرة إلى جانب حكومة الوفاق في الصراع وجلبت الآلاف من المرتزقة السوريين لتعزيز دفاعات حكومة الوفاق ضد قوات الكرامة.
وأضاف الفيتوري أنه بعد وقت قصير من إعلان وقف إطلاق النار في جنيف، بدا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقوضه وينتقده، ونقل عن أردوغان قوله إن الوثيقة تفتقر إلى المصداقية لأنها لم توقع من قبل “كبار المسؤولين” من الجانبين، كما شكك في تنفيذه بالسؤال عما إذا كان من “الصواب” مغادرة المرتزقة ليبيا، مُذكرًا أن أنقرة استثمرت بشكل كبير سياسيًا وعسكريًا، في دعم حكومة الوفاق، ومن الصعب أن تتراجع لمجرد أن حكومة الوفاق وقوات الكرامة قررا التحدث عن السلام.
مُشددًا على أنه إذا حدث فشل في ترجمة اتفاقية جنيف لوقف إطلاق النار إلى اتفاق سياسي في تونس في أقل من أسبوعين، سيؤدي ذلك إلى عرقلة العملية برمتها التي تقوم الأمم المتحدة ببنائها منذ شهور.
وأكد الفيتوري على أن هذا السيناريو السيء هو تهديد حقيقي لزخم السلام الكامل الذي نشأ بعد سلسلة من الاجتماعات الشهر الماضي، والتي شهدت اجتماع المندوبين في مونترو والغردقة وبوزنيقة، قبل لجنة “5+5” التي اجتمعت في جنيف الأسبوع الماضي.
وشدد على أن فشل منتدى الحوار الليبي في تونس قد يؤدي إلى تفكيك اتفاق وقف إطلاق النار نفسه، وقد يصبح القتال المتجدد حقيقة واقعة حول خط سرت-الجفرة، القريب جدًا من خليج سرت النفطي، حيث كان النفط ولا يزال هو المحرك الرئيسي للصراع بين الخصوم المحليين وداعميهم الأجانب.
واستدرك الفيتوري: “المتوقع في حالة الفشل هو أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تأمل في الحفاظ على الوضع الراهن، بما في ذلك وقف إطلاق النار، حتى تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد في أوائل العام المقبل، وإذا فاز الرئيس ترامب في انتخابات 3 الحرث/نوفمبر القادم، فمن المحتمل أن يصبح الملف الليبي أولوية في جدول أعماله، حيث تميل الفترة الرئاسية الثانية لرؤساء الولايات المتحدة إلى التركيز أكثر على السياسة الخارجية”.
واختتم أنه في حين أن فشل منتدى الحوار الليبي في تونس ليس خيارًا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلا أن القوى الأجنبية التي تتدخل في الشؤون الليبية لا تزال قادرة على التحايل على أي صفقة لا تريدها.