بعد مرور 800 عام على بناء جامع السروري، أشهر وأقدم الجوامع الأثرية التاريخية في بلدة تربة أبي الأسرار (150 كم شمال محافظة لحج الجنوبية)، مازال ماثلاً بطابعه المعماري القديم.
ولعب الجامع دوراً تنويراً وإرشادياً من خلال فكره الوسطي المعتدل على مدى قرون من حياة المجتمع في المناطق المحيطة به، والتي تتبع إداريا محافظتي لحج وتعز (جنوبي غرب اليمن)، وظل قبلة للكثير من طلبة العلم، حيث درس في الجامع العديد من مشائخ العلم من مدينة زبيد بمحافظة الحديدة (غرب اليمن) ومحافظة حضرموت (شرقاً).
تبني الفكر الوسطي
وعرفت مناطق الصبيحة وطور الباحة والحجرية وموزع، إطلاق التعليم النظامي لمختلف العلوم، إبان الاستعمار البريطاني، حيث فتح الجامع العديد من الأربطة الملحقة به للتدريس في مختلف العلوم، قبل أن يتم تأسيس مدرسة حكومية بجواره مطلع الستينيات من القرن الماضي.
ويقول إمام الجامع الشيخ علي أحمد المطري، إن الجامع الأثري الذي تم بناؤه بشكل معماري فريد قلما تجده في هذا الزمان، ظل محافظاً على ذلك البناء. ويوجد 5 قباب، بالإضافة إلى قبة الضريح، وقبتين كانتا تستخدمان للتعليم وترديد الموشحات والأذكار الدينية.
وأضاف المطري أن الجامع يحمل الفكري الوسطي المعتدل، ويرحب بأي فكر شريطة عدم الغلو وإدخال أفكار على المجتمع قد تهدد كينونته، مستغلين حالة الجهل التي تفشت بسبب عدم قدرة الكثير من السكان على إلحاق أولادهم بالتعليم والجامعات.
وتصدى الفكر الوسطي الذي تبناه الجمع منذ القدم، لجميع الأفكار المتطرفة، رغم عدم قيام الجهات المعنية في السلطة المحلية والأمن بواجبها في الحفاظ على هذا الأثر الذي تم الحفاظ عليه على مدى قرون من الزمن، وكان فيها الجامع هو المصلح بين القبائل المحيطة خلال الثارات في فترات غياب الدولة.
وخاطب المطري جميع التيارات والمثقفين داعياً إياهم إلى الاضطلاع بواجباتهم في الحفاظ على هذا المعلم الأثري، وتنوير وتوعية المجتمع إلى ما تقود الأفكار المتشددة من خطر سيحرف المجتمع، وسيصيبه في مقتل ما لم يتدارك المعنيون الأمر.
محاولات لتغيير نهج الجامع
على بعد 2 كم فقط من الجامع الأثري، أنشئ مركز المدي الذي يتبع الشيخ يحيى الحجوري. ومنذ إنشاء ذلك المركز تصاعدت حدة الحملات على الجامع، على سبيل تحريم الصلاة فيه بدعوى الشركية والقبورية، حتى زاره العديد من المدرسين في المركز، بهدف بناء سور بداخله، بيد أن تلك المحاولات قوبلت بالرفض من قبل القائمين على الجامع، وبعض الشباب الرافضين لهذا الفكر.
وعن ذلك يقول أحمد علي المنصوب، القيم على الجامع: لا ندري ماذا يريدون، وما الجهة التي تقف خلفهم، والتي تستهدف مسجدنا كما يدعيه بعض طلبة المركز بأنه وثن؟
وقال المنصوب: “لم يطلق على هذا الجامع العريق الذي عمره أكثر من 800 عام، مثلما قيل من قبل طلاب المركز، ولا نعرف ما الهدف من إصرار هؤلاء، وتلغيم الشباب بأفكار متطرفة، وربما هدامة تهدم المستقبل”، متسائلاً: من الذي أعطاهم الصك بأن يفصلوا الدين على مقاسهم، أنهم أهل سنة وجماعة، وغيرهم قبوريون وشركيون وصوفيون؟
وأكد أن محاولة تغيير هوية الجامع ليست حديثة، بل منذ عقود، وفي كل مرة يتصدى شباب المنطقة للحرب التي يشنها هؤلاء المتشددون لاستهداف الجامع تحت ذرائع واهية.
إهمال رسمي
مؤخراً أطلق شباب من مناطق عدة، مبادرة للدعوة إلى الحفاظ على هذه المعالم، لما تشكله من قيمة ثقافية وحضارية للدلالة على أهمية تلك المعالم، مشيرين إلى أنهم يوجهون الدعوة لجميع التيارات والوجاهات للانضمام والحفاظ على ما تبقى من هذه المعالم التي حافظ عليها الأجيال لقرون.
ويعد جامع السروري من أكثر الجوامع في محافظة لحج التي نالت اهتمام الباحثين بالدراسات والأبحاث. ومن أبرز من كتب أبحاثاً عن الجامع عبدالوكيل السروري، والباحث عبداللطيف شوتري، بالإضافة لباحثين آخرين.
وتعرض الجامع للإهمال في السنوات الأخيرة من قبل الجهات المعنية في وزارة الأوقاف، ولم يتم ترميمه بنفس المواد التي بني بها.
*المصدر: المشاهد نت