سجلت تقارير حقوقية العديد من الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون تجاه المرأة اليمنية، ابتداءً من خطف عددٍ من الناشطات وملاحقتهن، والزج بهن في معتقلات سرية، إضافة إلى تعرض أخريات للضرب بهراوات الزينبيات، فيما أُلقي بنساء خلف قضبان سجون الجماعة بناءً على تقارير هذا الفصيل الأمني.
ووثّق تقرير لجنة الخبراء الدوليين المرفوع لمجلس الأمن، الصادر في شهر مايو (آيار) الماضي، الانتهاكات التي ارتكبتها “الزينبيات” الحوثيات، مشمولة بالاعتقال والاحتجاز التعسفي للنساء، والنهب، والاعتداء الجنسي، والضرب، والتعذيب، وتسهيل عمليات الاغتصاب في مراكز الاحتجاز السرية.
وجاء في التقرير أيضاً أن أعضاء الشبكة يمشين وعلى أكتافهن قاذفات صواريخ وأسلحة كلاشينكوف، وبينهن طفلات يحملن رشاشات.
وأشار إلى أن تلك الشبكة ظهرت في عرض عسكري للحوثيين في صنعاء قبل نحو 3 أعوام في أول ظهور لعناصر نسائية حوثية بمسمى “الزينبيات”، وهو “الجناح الناعم” والمسلح للجماعة.
تخفيف العبء
وفي سياق استهدافها المتكرر للنساء، مضت الجماعة الحوثية وبصورة سرية في تشكيل فصيل نسوي جديد يُسمى “الفاطميات”، الذي يتركز عمله في التحريض والتلقين والشحن الطائفي عبر إلقاء محاضرات ودروس ودورات لجموع النساء والفتيات في كل مديرية وحي وحارة في العاصمة، سواءً في المساجد أو في منازل المواطنين والقاعات العامة كالمدارس وتجمعات الاحتفالات التي تقيمها الجماعة.
كما تهدف الجماعة من وراء هذا التشكيل إلى تخفيف العبء عن “كتائب الزينبيات” وإسناد مهام التعبئة الفكرية والاستدراج الناعم في أوساط النساء إلى الفصيل الجديد، والإبقاء على وظيفة “الزينبيات” في نطاق الأعمال القمعية والقتالية والتجسسية.
وتسعى الجماعة الحوثية إلى استقطاب نحو ألفي عنصر جديد من النساء من أحياء متفرقة في صنعاء من شريحة المتعلمات ليتم تدريبهن وإخضاعهن لدورات مكثفة ليقمن فيما بعد بتوعية واستقطاب اليمنيات وإقناعهن باعتناق الأفكار والبرامج والأهداف الحوثية.
الاستقطاب الحوثي للنساء وتجنيدهن للفصيل الجديد، يؤكد التقارير التي تحدثت عن السعي الحوثي الحثيث إلى تجنيد الفتيات سواء لأعمال أمنية أو وعظية وأخرى تجسسية تستهدف السياسيين والمعارضين.
وتجنيد الفتيات اليمنيات لم تنكره جماعة الحوثي، اذا قالت رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة الدكتورة غادة أبو طالب وفي حديث صحافي مع وكالة أنباء سبأ التابعة للحوثيين، “ونحن ندشن العام السادس من الصمود في وجه العدوان، أثبتت المرأة اليمنية صمودها وثباتها إلى جانب أخيها الرجل في مختلف الجبهات، بالاستناد إلى الوعد الإلهي، وتحركت من منطلق أن الموقف القرآني والربح فيه مضمون”، في إشارة إلى دور الكتائب النسوية الحوثية في العمل الأمني والاستخباري..
بداية الظهور
تؤكد الناشطة السياسية نورا الجروي، أنه منذ تأسيس الجماعة الحوثية تشكل فصيل الزينبيات وبدأ ينشط وظهرت له قيادات مثل هدى الوزير وفاطمة الشرفي وهناء باعلوي، وأغلب قيادة هذه التشكيلات الحوثية زوجات القيادات الحوثية وقريباتهم، ويستحيل إسناد مهام قيادة أي من هذه التشكيلات لنساء من خارج السلالة الهاشمية.
وأفادت الجروي في حديثها لـ”اندبندنت عربية” بأن هذه التشكيلات الحوثية نشطت بشكل سري منذ عام 2014، أي مع دخول مسلحي الجماعة إلى العاصمة صنعاء، وازدادت هذه التشكيلات فتكاً في المجتمع وتغلغلاً، وظهرت إلى العلن بعد ديسمبر (كانون الأول) 2017 (انتفاضة الرئيس السابق ضد الجماعة)، واستحدثت الجماعة تشكيل “الزينبيات”، وهو عبارة عن فصائل معروفة في إيران والعراق لدفع المرأة نحو العنف في الجانب العسكري والاستخباراتي، وفي اليمن فإن الجماعة الحوثية ومنذ ظهور فصيل “الزينبيات” أصبحت تفاخر به وباستخدامه السلاح ومشاركته في القتال بين صفوف الجماعة وجبهاتها.
وأكدت أنه بعد الجرائم التي ارتكبها فصيل “الزينبيات” في حق المرأة اليمنية، وبعد أن صارت سمعتها لدى المنظمات الدولية مكشوفة ومفضوحة، وخصوصاً دورها في اختطاف الناشطات والتجسس عليهن، لجأت الجماعة إلى تأسيس “الفاطميات” كفصيل جديد.
وأوضحت أن مهام التشكيلات النسوية الحوثية عديدة، منها ما يظهر بشكل منفتح من خلال التعامل والتواصل والتشبيك مع المنظمات الدولية للدفاع عن الجماعة الحوثية وإيصال آراء ومواقف الجماعة والتعبير عنها في المحافل الدولية، وجزء في الجانب الإعلامي وآخر في مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، من خلال حسابات وهمية سواءً للتعبير عن مواقف الجماعة أو استقطاب الناشطين والناشطات والإيقاع بهم، إلى جانب جزء متخصص في القمع والضرب ومساندة الحوثيين واعتقال الفتيات والاعتداء عليهن، وتدريب الفتيات على العنف وعلى الملازم الحوثية والتوعية الفكرية.
وتحدثت الناشطة الجروي عن تجنيد كتائب حوثية لاختراق الأحزاب والقوى السياسية وصفوف الشرعية والإيقاع بقياداتها وتسجيل وتسريب فيديوهات ووثائق لخصوم الجماعة كورقة ضغط وابتزاز، إضافة إلى استهداف المرأة من خلال اقتحام المنازل ومداهمتها في أي وقت واقتياد النساء إلى مراكز الاختطاف والاعتقال السرية، ونهب المنازل وحُلي النساء، والتجسس على الطالبات، مشيرة إلى وجود أكثر من 300 امرأة مختطفة لدى الحوثيين بناء على تقارير الجانب المخابراتي لدى “الزينبيات”، بالإضافة إلى خلية خاصة بالتفجيرات وزراعة الألغام والعبوات الناسفة، مشيرة إلى أنه تم اعتقال خلية نسوية حوثية أثناء زراعتها للعبوات الناسفة في محافظة الجوف.
زينبيات للتجسس
تؤكد الناشطة الحقوقية برديس السياغي أن الجماعة الحوثية وزعت تشكيلاتها في الحارات أو المناسبات لرصد المعارضين للجماعة، ناهيك بأنها خصصت جزءاً ممن جرى تجنيدهن لاستقطاب السياسيين، ومنهن من يتولى أعمالاً داخلية وأخريات للأعمال الاستخبارية.
وذكرت برديس أن الجماعة جندت فتيات وزرعتهن في أوساط النساء لمراقبتهن ورصد نوعية الأحاديث المتداولة عن الجماعة ورفع تقارير دورية، والتي بناءً عليها يتم ملاحقة النساء واختطافهن وتعريضهن للضرب.
الفقر والرضوخ لحملات التجنيد الحوثية
فيما أكد وزير حقوق الإنسان محمد عسكر أن النساء في اليمن تعرضن لشتى أشكال العنف منها القتل والإصابة والامتهان والعنف الجنسي والمعنوي، حيث تفتقر المرأة سبل البقاء الأساسية والرعاية الصحية بفعل الانتهاكات الحوثية التي تسببت في تهجير وتشريد مئات الآلاف من النساء اللاتي تركن منازلهن ونزحن هرباً من الميليشيات الحوثية.
وأوضح الوزير أن الجماعة وبفعل المضايقات المستمرة وحملات التجنيد في أوساط الفتيات، خصوصاً الطالبات سواء طالبات التعليم الجامعي أو المدرسي، تسببت في تسرب آلاف الفتيات من التعليم خشية المضايقات الحوثية أو تعرضهن إلى التجنيد الإجباري.
إلا أن عسكر أفاد بأنه ونتيجة فقدان بعض الأسر لعائلها الوحيد بسبب الحرب وما تلا ذلك من معاناة في البحث عن مصدر رزق تقتات منه هذه الأسر، فقد رضخت لحملات التجنيد الحوثية والتحقت بعض الفتيات بالتشكيلات الحوثية سواء المخابراتية أو الأمنية والوعظية.
وأشار إلى أن الجماعة تجبر النساء على حضور أنشطة تحريضية تحث على العنف وتمجد السلالة الحوثية، إضافة إلى حثهن على إرسال أطفالهن إلى الجبهات تحت مسمى الجهاد.
الرعب والترويع
وتحدث الوزير عسكر عن إنشاء الجماعة تشكيل “الزينبيات” الذي حوّل النساء إلى وحوش تبث الرعب وتمارس كل أشكال الترويع والانتهاك من اقتحام للمنازل واعتداءات على النساء وقمع المتظاهرات، لافتاً إلى أنه بات لهذا الاسم سيء الصيت أداة إرهاب للمجتمع والمرأة اليمنية.
وذكر أن الجماعة الحوثية استخدمت العنف والاختطاف والاعتقال لقمع النساء المعارضات في صنعاء، حيث تم اختطاف الفتيات من أماكن الدراسة ومن شوارع صنعاء، وتمت مداهمة المعاهد، ومنها معهد اللغات في منطقة حدة وسط صنعاء في ديسمبر 2019، وتم اختطاف نساء يعملن في المعهد، ولُفقت لهن تهم مخلة بالشرف والأخلاق.
كما لجأ الحوثيون إلى الاحتجاز والاعتقال والاختطاف في النقاط التي أنشأتها الجماعة وكذلك من الجامعات والكليات والمعاهد، واعتدت على الوقفات النسوية مثل الاعتداء على رابطة أمهات المعتقلين وتجنيد النساء والفتيات تحت اسم “الزينبيات” وإرغام عددٍ من العائلات على تجنيد أطفالها والزج بهم إلى جبهات القتال.
جهود حكومية
وقال عسكر إنه في إطار جهود فضح انتهاكات جماعة الحوثي أعدت وزارة حقوق الإنسان تقارير نوعية بشأن الانتهاكات التي تتعرض لها المراة وتم تسليمها إلى المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، وصعدت هذا الملف إلى المحافل الدولية ومجلس حقوق الإنسان عن طريق إقامة المؤتمرات الصحافية والنداءات الإنسانية العاجلة والندوات واللقاءات مع صناع القرار ومع المفوضية السامية للأمم المتحدة.
وأوضح أنه تم تنفيذ عددٍ من اللقاءات في بعض الدول الأوروبية ونيويورك، حيث التقى وزير حقوق الإنسان عدداً من المنظمات الدولية وصناع القرار ومسؤولين في مراكز الدراسات المختصة بحقوق الإنسان، وتم تسليمهم هذه التقارير، وكذا مع المبعوث الأممي في اليمن، حيث أشارت الوزارة إلى ملف تجنيد الفتيات عبر إنشاء الحوثيين جهازاً نسوياً يميل إلى العنف يُسمى “الزينبيات”، بالإضافة إلى الإحاطات المستمرة من قبل مندوبية اليمن في نيويورك وجنيف.
من جانبها ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنه خلال “العامين الأخيرين تم اتهام النساء بالدعارة والاختلاط والفجور في صنعاء، واستخدمت سلطات الأمر الواقع مثل هذه التهديدات والمضايقات عند قمع التظاهرات العامة التي تضمّ نساءً، ووجهت مثل هذه الاتهامات ضد النساء كوسيلة لـ”إضفاء الشرعية” على الاحتجاز التعسفي للنساء والفتيات”.
وأشارت المنظمة في تقرير صادر عنها إلى استخدام الحوثيين للقوة المفرطة ضد التجمعات النسائية السلمية، من قبل قوات نسائية تم تشكيلها من الحوثيين يقدر عددها بـ4000 إمرأة.
*المصدر: اندبندنت عربية