مانشيت

استخدام البيئة في الحروب: صافر… ماذا لو انفجر خزان النفط؟

وفاء غالب

لاتزال قضية خزان صافر في ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة (غرب اليمن)، من أكثر القضايا التي تؤرق الصيادين اليمنيين وخبراء البيئة والسياسيين والمجتمع الدولي، خصوصاً بعدما كشفت صور من الأقمار الصناعية بثها موقع “Tanker Trackers”، مطلع أكتوبر الماضي، عن بدء حدوث تسرب نفطي لكمية كبيرة منه إلى مياه البحر.

وفي ظل المخاطر المحدقة باليمن، لا يبدو أن هناك انفراجة قريبة في ملف سفينة صافر التي سبق أن تم نقاشه في مجلس الأمن الدولي، سوى وعود جماعة الحوثي بالسماح بإصلاح وصيانة الخزان، وتعهد دول أخرى بالتدخل لحل المشكلة.
وقبل أيام، درس وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي، مع القائم بأعمال السفارة اليابانية لدى اليمن يوجي هاتوري، التداعيات الخطيرة للوضع الراهن لخزان صافر، كما تعهدت الصين، منتصف الشهر الماضي، بقيامها بدور إيجابي في مجلس الأمن، للوصول إلى صيغة مناسبة بشأن وضع خزان صافر، فيما جدد سفراء دول الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، دعوتهم جماعة الحوثي للسماح للفريق الأممي بصيانة السفينة، وحملوها كذلك مسؤولية ما قد يحدث.

البيئة كورقة رابحة في هذه الحرب

وفي الثاني من نوفمبر الجاري، تحدثت مصادر دبلوماسية لصحيفة “الشرق الأوسط”، عن اقتراب توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة والحوثيين، يسمح لفريق الخبراء الأممي بتقييم الخزان، وأن 4 دول أوروبية (بريطانيا، ألمانيا، هولندا، فرنسا) استطاعت تأمين التمويل اللازم للفريق، لكن جدية الحوثيين من عدمها في تنفيذ ذلك الاتفاق، غير واضحة حتى الآن. غير أن الكثيرين يشككون بجدية الحوثيين في إنهاء هذا الملف.

تصر جماعة الحوثي حتى الآن على المماطلة بشأن سماحها للفريق الأممي الذي سيقوم بصيانة الخزان.

ويتحدث الفريق عن حاجته لأسبوعين للوصول إلى موقع السفينة في حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن ذلك.

وتصر جماعة الحوثي حتى الآن على المماطلة بشأن سماحها للفريق الأممي الذي سيقوم بصيانة الخزان.
ويتحدث الفريق عن حاجته لأسبوعين للوصول إلى موقع السفينة في حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن ذلك.
وتطالب الجماعة بالاستفادة من إيرادات نفط خزان صافر الذي يحتوي على مليون و200 ألف برميل من النفط الخام، مع رفضها المتكرر طلب الحكومة اليمنية أن تعود إيراداته لتسليم رواتب الموظفين في كافة محافظات اليمن.
ويؤكد أستاذ إدارة الأزمات والصراعات بجامعة الحديدة، الدكتور نبيل الشرجبي، أن البيئة في الأساس هي أحد ضحايا الحروب سواء في البر أو البحر، وهو ما يحدث أيضاً في اليمن.
أما عن سبب استخدام الحوثيين لخزان صافر كورقة ضغط، ذكر الشرجبي  أن الجماعة أذكى من أن تفاوض على قضية صافر، دون الحصول على فوائد سواء كانت سياسية أو اقتصادية.
ولفت إلى أن جماعة الحوثي تدرك مدى خطورة الوضع ليس على اليمن، بل على المنطقة، ومن ذلك المنطلق، فهي تعتمد سياسة المماطلة والتهرب، لمعرفتها الأكيدة أن المجتمع الإقليمي والدولي لن يرضوا بحدوث تلك الكارثة.
وباعتقاده أنه لا يوجد أمام المجتمع الدولي إلا طريق واحد لإقناع الحوثين بمنع وقوع تلك الكارثة، وذلك عبر معرفة ما هي شروط ومطالب جماعة الحوثي أياً كانت.
وطوال فترة الحرب، اعتمدت جماعة الحوثي على ابتزاز المجتمع الدولي والحكومة اليمنية عبر استخدام أوراق ضغط كثيرة للحصول على مكاسب خاصة السياسية منها.

ماذا لو انفجر خزان صافر؟

ويشمل استخدام البيئة في الحروب استغلال الأخشاب أو النفط والذهب وغيرها من الثروات، أو المياه، وغالباً ما تكون البيئة ضحية لذلك الاستعلال، كما هو حاصل في خزان صافر الذي يوشك على الانفجار.
وتتوقع بعض الدراسات استمرار آثار كارثة صافر في حال حدثت، لثلاثة عقود قادمة في اليمن.
ويعتبر أنور الشاذلي، أستاذ البيئة والموارد الطبيعية بجامعة تعز، أن الخزان بمثابة قنبلة موقوتة غير محمودة العواقب، كونه سيخلّف تدميراً للبيئة البحرية، وتلوّث الهواء بـ”غاز الهيدروكربونات” الذي يُعتبر سبباً في الإصابة بسرطانات الجلد والجهاز التنفسي.
وأفاد الشاذلي أن تلوث البحر بالمركبات السامة التي سيكون مصدرها النفط، سيؤدي إلى الإخلال بالنظام البيئي، وحدوث مجموعة كوارث يمكن ملاحظة بعضها والسيطرة عليها، وأخرى لن يمكن السيطرة عليها كون آثارها ستظهر بعد عدة سنوات، مؤكداً أن الوضع في اليمن سيكون صعباً بسبب ضعف الإمكانات وقلة الخبرات في هذا المجال، إضافة إلى الظروف السياسية وغياب وتشتت القرار السياسي بين حكومتي صنعاء وعدن.
وبشأن آثار التلوث النفطي على سطح المياه، أوضح أنه سيشكل طبقة تمنع التبادل الغازي والضوء الكافي للهائمات البحرية، مما يسبب خللاً في السلسلة الغذائية، وانخفاضاً حاداً في المخزون السمكي، متوقعاً تضرر البحر الأحمر بشدة، لأنه بحر شبه مغلق لا تتجدد مياهه إلا بعد حوالي 100 سنة أو أكثر، إضافة إلى تأثر حركة الملاحة البحرية العالمية في المياه الإقليمية اليمنية والأخرى التابعة لدول الجوار، وعلى أنظمة تشغيل الموانئ اليمنية والحركة الاقتصادية.
وبخصوص الضرر الذي سيصيب الثروة السمكية والقشريات وباقي الأحياء البحرية، قال إن التسرب سيلحق الضرر بكافة الكائنات البحرية، وسينتج عن ذلك خسارة فادحة، بخاصة في سواحل البحر الأحمر، وستمتد إلى مناطق خليج عدن والبحر العربي، وربما شواطئ دول مجاورة، ما يعني حرمان آلاف الأسر التي تعتاش على مهنة صيد الأسماك.
وعن التأثير على البيئة النباتية الساحلية وعلى غابات المانجروف، قال إن الجزر والسواحل ستتعرض للدمار والتلف، ومنها جزيرة كمران التي تمتلئ بأشجار المانجروف وغيرها من النباتات وأشكال الحياة البحرية في بيئة البحر الأحمر، ما سيؤثر في السلسلة الغذائية، وعلى المدى البعيد ستتراكم السموم في أنسجة اليرقات والكائنات الحية الدقيقة التي تعد مصدراً غذائياً أساسياً للأسماك الكبيرة.

يمكن أن تتسبب الغازات المتطايرة والمتبخرة من خزان صافر، في إصابة السكان القريبين من مناطق التسرب بأمراض الجهاز التنفسي، وزيادة الاحتباس الحراري نتيجة التصاعد الكثيف لأكاسيد الكربون إلى الغلاف الجوي في حال احتراق الخزان .

ولتلك الأشجار دور في حماية الشواطئ من التعرية والأثر الميكانيكي لأمواج البحر، وتعتبر موئلاً لتكاثر الطيور المهاجرة، وبيئة لقضاء العديد من الأسماك والقشريات جزءاً من دورة حياتها، بحسب الشاذلي، مؤكداً أن تنظيف تلك الغابات صعب للغاية، لأن التدخل في تربتها قد يتسبب في تسرب النفط إلى أعماق أكبر في التربة، وقد يؤثر على مناطق أوسع وأعمق في التربة، وقد يمتد إلى المياه الجوفية.
وتطرق الشاذلي إلى الضرر الذي سيطال الطيور المتوطنة والمهاجرة والسلاحف البحرية، كونها ستهاجر أو ستموت، إضافة إلى أن التدمير الكامل الذي سيصيب البيئة سيجعل اليمن تخسر كل مقدراتها ومقوماتها السياحية.

مخاطر صحية واقتصادية

ويمكن أن تتسبب الغازات المتطايرة والمتبخرة من خزان صافر، في إصابة السكان القريبين من مناطق التسرب بأمراض الجهاز التنفسي، وزيادة الاحتباس الحراري نتيجة التصاعد الكثيف لأكاسيد الكربون إلى الغلاف الجوي في حال احتراق الخزان، كما يقول الدكتور الشاذلي.
ويخشى صيادون يمنيون من وقوع تلك الكارثة، التي ستؤدي الى تلوث مياه البحر، وتأثر البيئة أيضاً، ما يعني القضاء على مستقبل كثير منهم.
ويعبر محمد قاسم، وهو عامل في بيع الأسماك منذ عشرات السنين، عن تلك المخاوف، قائلاً: “سماع المواطنين عن حدوث تلوث في مياه البحر، سيجعلهم لا يقبلون على شرائه خوفاً من التسمم”.
وقال  إنه يخشى على أهله من إغلاق ميناء الحديدة فيما لو حدثت الكارثة، ما يعني حدوث أزمة غذائية ستؤثر على الصيادين.

Exit mobile version