يشهد الملف الليبي تطورات وصفها مراقبون بالإيجابية منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار برعاية أممية خلال أكتوبر المنصرم، وهو ما اعتبره المجتمع الدولى خطوة صوب استقرار الأوضاع الأمنية والانطلاق نحو عملية سياسية تبدأ من خلالها الأطراف الليبية تثبيت مؤسسات الدولة، لكن هذا التطور الإيجابي تواجهه تحديات التدخلات الخارجية الرامية إلى إطالة أمد الصراع بين الفرقاء الليبيين وإفشال جولة حوار تونس حول الوضع الليبي المقررة فى التاسع من الشهر الجارى.
ويحذر المراقبون من خطورة محاولات إفشال جهود تثبيت أركان الدولة الليبية التى تقوم بها أنقرة والدوحة لتأزيم الموقف الليبي من خلال دعم حكومة الوفاق من جانب، وإمدادها بآلاف المسلحين والمرتزقة، ويرون كذلك أنه بينما لا تتورع تركيا الإعلان صراحة عن طمعها في الثروات الليبية، ونقل المسلحين إلى ليبيا، تتكفل قطر بالإنفاق على جلب الجماعات المسلحة والمرتزقة وتصدير التوتر إلى دول جوار ليبيا.
وعملت تركيا في نهاية العام الفائت على تفعيل مذكرة تعاون عسكري مع حكومة الوفاق، ما فتح المجال أمام تدخل مباشر أكبر لأنقرة في ليبيا، كما سعت لتمركز عسكري في قاعدة الوطية التي تلقت ضربتين لتكبد الجانب التركي خسائر كبيرة في مهامه ومعداته في مسعى لتحييد تدخلاتها، فيما ذكرت حكومة الوفاق حينها إن الضربتين كانا من “طيران أجنبي”.
ويعول الدور القطري والتركي العدائي لإعادة بناء الدولة في ليبيا على إفشال العملية السياسية، إذ شككت أنقرة – عقب إعلان الأمم المتحدة على التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وبدء الحوار التمهيدي السياسي – في تماسك وقف إطلاق النار فهو أمر غير قابل للتحقيق “بدرجة كبيرة”.
وعقب إعلان الأمم المتحدة وقف إطلاق النار بين الأطراف الليبية، سارعت حكومة الوفاق إلى التوقيع على مذكرة تعاون أمني مع قطر في الدوحة، ورداً على هذه الخطوة، اعتبر المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، مذكرة التعاون بين الوفاق والدوحة محاولة “خبيثة” لتقويض وخرق مخرجات حوار جنيف 5+5، كما صنف قطر ضمن أكبر داعم للإرهاب.
وكانت بعثة الأمم المتحدة قد أعلنت يوم الجمعة 23 أكتوبر توقيع اتفاق تام ودائم لوقف إطلاق النار من قبل وفدي اللجنة العسكرية المشتركة الليبية (5+5)، نيابة عن الجيش الليبي في حكومة الوفاق الوطني والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي.
تضمن الاتفاق إلزام جميع الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة المتواجدة على خطوط التماس العودة إلى معسكراتها، ومغادرة جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب ليبيا، في غضون فترة أقصاها ثلاثة أشهر، كما نص الاتفاق على تعليق جميع الاتفاقات العسكرية الخاصة بالتدريب داخل ليبيا مع مغادرة أطقم التدريب البلاد، وإنشاء غرفة عمليات أمنية مشتركة تتولى اقتراح وتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة لتأمين المناطق التي تم إخلاؤها من الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة.
كما نص الاتفاق على تشكيل قوة عسكرية مشتركة محدودة العدد من عسكريين نظاميين تحت قيادة غرفة عمليات مشتركة لردع أي انتهاكات لوقف إطلاق النار، والبدء الفوري بحصر وتصنيف جميع المجموعات والكيانات المسلحة على كامل التراب الليبي، سواء التي تم ضمها لمؤسسات الدولة أم لا، وسوف يتم وضع آلية وشروط لإعادة دمج أفرادها، وبشكل فردي، في مؤسسات الدولة، بدعم ومشاركة من الأمم المتحدة.
أعقب هذا الإتفاق إعلان الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، انطلاق المشاورات السياسية التمهيدية بين الأطراف الليبية المسماة “ملتقى الحوار السياسي الليبي” التي بدأت عملها يوم 26 أكتوبر عبر آلية الاتصال المرئي، وسوف ينطلق اللقاء المباشر يوم التاسع من نوفمبر في تونس العاصمة.
وفق البيانات الرسمية للأمم المتحدة، تستهدف المشاورات التمهيدية إيجاد توافق ليبي حول سلطة تنفيذية موحدة وحول الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات الوطنية في أقصر إطار زمني ممكن من أجل استعادة سيادة ليبيا وإعطاء الشرعية الديمقراطية للمؤسسات الليبية.
وذكرت الأمم المتحدة أنها تسعى من تلك الخطوة إلى دعوة ممثلي المجتمع الليبي (75 مشاركا) للوصول لتوافق عبر حوار ليبي يُعقد بناءً على مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا، والتي تمت المصادقة عليها من قبل مجلس الأمن في قراره 2510(2020) وقرار مجلس الأمن 2542(2020 )
ورغم الزخم الإيجابي لدى أطياف الشعب الليبي بوقف إطلاق النار، يرى محللون ومراقبون أن الاتفاق وبدء المرحلة التمهيدية من الحوار السياسي إنجازاً في حد ذاته في ظل نجاح الأطراف الليبية الجلوس على مائدة التفاوض بعد تعثر طال أمده، لكن بعض القوى الإقليمية تعمل على مد أمد الصراع كى لا يتمكن الليبيون من تفعيل الاستحقاقات السياسية الرامية إلى تثيبت أركان دولتهم.