ثلاثة مليارات دولار “صرفتها” الأمم المتحدة على إغاثة اليمنيين العام المنصرم. بيد أن الكثيرين يشكون من عدم قبض شيء إلا الريح. أين ذهبت الأموال؟ وكيف رد مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في صنعاء على شبهات الفساد؟
أمام خيمته التي داهمتها السيول الناتجة عن الأمطار، يجلس اليمني محمد سنان وثلاثة من أطفاله، بعد أن أجبرت الحرب أسرته على النزوح من مدينة الحديدة العام المنصرم. يشكو محمد من عدم الحصول على معونات من المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن، والتي تواجه سيلاً من الانتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية شبهات فساد في توزيع المساعدات والمنح المقدمة لمعالج الأزمة الإنسانية التي يرزح تحت وطأتها نحو 20 مليون من سكان البلاد.
يسكن محمد سنان مع زوجته وأطفاله في خيمة نصبها على رصيف أحد الشوارع العامة بمنطقة “عَصِر”، غرب صنعاء، وهو واحد من أعداد كبيرة أجبرتهم الحرب المتصاعدة في الحديدة (الميناء الرئيسي في البلاد)، على النزوح، ويقول لـDW عربية، إنه حصل على مساعدات “مستعجلة” لشهر واحد، وأبُلغ أن عليه الانتظار ثمانية أشهر أخرى، حتى يحصل على دفعة معونات جديدة، ويضيف “هذا يعني الموت من الجوع”.
وغير بعيدٍ عن المخيم، أفاد يحيى محمد وهو نازح آخر من الحديدة أن اسمه مدرج ضمن المفترض تسلمهم معونات، لكنه يتابع منذ ثمانية أشهر الأمر ولكن دون أن يحصل على شيء.
الأمم المتحدة ترد
وفقاً لتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العاملة في اليمن، فإن نحو 20 مليوناً من اليمنيين (ثلثي سكان البلاد)، يعانون من الأزمة المتفاقمة منذ تصاعد الحرب قبل أكثر من أربعة سنوات، بما في ذلك، الملايين الذين يعيشون أوضاعاً تشبه المجاعة.
تقف الأمم المتحدة على رأس الجهود الإغاثية الرامية للتخفيف من وطأة الأزمة، بالعمل مع شركاء محليين ودوليين من منظمات ومؤسسات مختلفة.
بيد أن إعلاميين ونشطاء حقوقيين في اليمن أطلقوا حملة أثاروا من خلالها ملف المزاعم حول التلاعب بالمساعدات ومطالبات المنظمات باعتماد الشفافية بالكشف عن الأموال التي تلقتها وكشوفات الصرف الخاصة بها.
ونشطت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشر الأمم المتحدة كشوفات تضم أسماء 96 منظمة محلية ودولية تسلمت خلال العام 2018 ما يزيد على 2.6 مليار دولار، وقائمة أخرى بـ62 منظمة تسلمت 449 مليون دولار خلال الأربعة الأشهر الأولى من العام الجاري.
وقال رياض الدبعي، وهو ناشط حقوقي يمني مقيم في هولندا، إن “حملة #وين_الفلوس التي تبناها نشطاء داخل اليمن وخارجها، تهدف لمعرفة الأموال التي تدفقت من المانحين لمساعدة اليمنيين”، مضيفاً أن هناك أرقاماً مهولة سُلمت إلى المنظمات الدولية بشأن مساعدة اليمنيين في الحرب. ومع ذلك ما تزال الأزمة الإنسانية تزداد يوماً بعد آخر.
ويشدد الدبعي وهو أحد متصدري الحملة على أنها مبادرة “تخدم العمل الإنساني والمحتاجين والمنظمات نفسها”، ويتابع “نسعى من خلالها لجعل المنظمات تلتزم بالشفافية وتفصح عن مواردها وتقاريرها المالية لأنها في الأخير منظمات مجتمع مدني وغير ربحية”.
ومن خلال التواصل مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، بشأن الحملة، حيث أفاد أن “المعلومات في الوقت الحقيقي حول المساهمات والمخصصات لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، بما في ذلك المشاريع الممولة من الصندوق الإنساني المشترك الذي يموله مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، متاحة للجمهور على نظام التتبع المالي (https://fts.unocha.org/) وموقع الشفافية العالمي في CBPF (https://gms.unocha.org/bi)”، وقال إن كليهما “متوافق تمامًا مع معايير المبادرة الدولية لشفافية المعونة (IATI)”. مشيراً إلى أن “الشفافية هي جوهر عمل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية”.
معايير تقديم المنح؟
أكد طارق حسان، رئيس مجلس الشباب العالمي في اليمن، صحة الأرقام الواردة في الكشوفات المنشورة بشأن المبالغ التي تسلمتها منظمته العام الماضي. وأوضح حسان أن المنظمة التي يترأسها “من ضمن المنظمات المحلية التي تستلم منحة من قبل صندوق التمويل الإنساني التابع لمنظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)”، وقال إن “هناك معايير قوية تستند لها الأوتشا”، لتقديم المنح المالية، منها أن تكون المنظمة قد عملت لمدة لا تقل على خمس سنوات.
وشرح حسان آلية تلقي الدعم، حيث قال إنه “قبل تحديد المبلغ المذكور هناك تنسيقات مسبقة تحصل مع الأمم المتحدة، وعليه يتم تحديد المناطق الأشد احتياجاً وطريقة التدخل، وإذا ما كانت المنظمة (التي ستتلقى منحة) قادرة على العمل لإنقاذ الناس في تلك المناطق ومساعدتهم بشتى أنواع المساعدات، وعلى ضوء ذلك “لابد من حصول المنظمة على توصية وحصولها على رسائل من السلطات المحلية تفيد بكمية ومقدار التدخل المطلوب”.
وحصل مجلس الشباب على مليون و197 ألف دولار من الأمم المتحدة خلال 2018، ويقول حسان “عمل المجلس على استهداف ما يقارب 120 مركزاً صحياً في محافظة تعز وتدريب الكوادر الصحية ودفع رواتبها وعمل حملات التوعية بعملية المياه والبيئة والوقاية للحد من انتشار مرض الكوليرا”.
“استغلال من قبل أحد أطراف الحوثيين“
تنطلق الانتقادات الموجهة للمنظمات من زوايا عديدة، من بينها أنها لم تعلن عن المنح التي تسلمتها والمعلومات التفصيلية بالمشاريع التي نفذتها، وصولاً إلى الشبهات بوجود عمليات فساد، الأمر الذي سبق وأكدته الأمم المتحدة منذ شهور، باتهام شركاء محليين بالتلاعب بتوزيع المساعدات:
ويقول المدير السابق للشفافية الدولية في اليمن، توفيق البذيجي، إن المنح والمساعدات المخصصة لليمن تسلمتها العديد من الوكالات التابعة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية المحلية، ويؤكد “لا يخفي على أحد أن هذه المنظمات ملتزمة العمل بمعايير الشفافية، تقريباً معظم، إن لم يكن كل المنظمات الدولية وخاصة التابعة للأمم المتحدة، تعمل وفقا للمبادئ الحوكمة”.
يتابع البذيجي أن “المفترض وفقاً لهذه المبادئ أن تلزم هذه المنظمات بالإفصاح عن المنح والمساعدات المقدمة لليمن وأوجه صرفها للجمهور”، ولكنه يعود ويستدرك قائلاً: “من وجهة نظري عدم شفافية هذه المنظمات وعدم نشر معلومات عن المساعدات وعدم والإفصاح عن تقاريرها المالية يرجع إلى أن الأموال لم تذهب للمستفيد الحقيقي (المواطن) وفقاً لما هو مخصص لها”.
ومن بين الأسباب التي يرى البذيجي أنها قد تعود لعدم الشفافية “تخصيص نسبة كبيرة من المنح قد تصل إلى أكثر من 40%، كرواتب ومصروفات إدارية، بالإضافة إلى “سوء إدارة المنح والمساعدات ووجود فساد إداري ومالي”، ويقول “الكارثة الكبرى أن جزءاً من المساعدات بحسب تقارير إعلامية انحرفت عن مسارها الإنساني المخصص له وتم توجيهها أو استغلالها من قبل أحد أطراف النزاع قاصدا ” الحوثيين”.
في المقابل يقول رئيس المجلس العالمي للشباب باليمن حسان إن “الشفافية موجودة؛ بحيث تقوم الأمم المتحدة بتوكيل شركتين أما دولية أو محلية، الأولى لعمل تقييم عن المشروع والرقابة الفنية والمالية عليه”، لتتأكد من وصول مساعدات المشروع للمستفيدين بالمناطق المحددة، والأخرى شركة محاسبة مالية للتدقيق المالي بالمشروع.
بين جملة الاتهامات بوجود فساد في توزيع الإغاثة والآراء المدافعة عن طريقة عمل المنظمات الإنسانية، تبقى المعاناة الإنسانية هي الحقيقة الأشد قسوة، وفي الوقت نفسه الوحيدة المثبتة، حتى اللحظة على الأقل.
بعد أن صمدت خيمة النازح اليمني سنان أمام موجات البرد والرياح في الشتاء، جاء الصيف لتهدده السيول، وهو ما زال يسأل عن المعونات المخصصة للنازحين ويمني النفس بأن يناله منها نصيب.