مانشيت

نساء “جبل حبشي” يقدن ثورة تنموية في تعز

وهب الدين العواضي

على الرغم من الظروف المعيشية القاسية التي تعيشها المرأة اليمنية الريفية، نتيجةً للطبيعة الجغرافية والبيئة المحيطة بها، إلا أنها بادرت في العمل إلى جانب الرجل، لتصبح جزءاً من أكبر عملية تنموية شهدتها إحدى مدريات تعز؛ مجسدةً بذلك حياة المرأة اليمنية ومسيرتها في الكفاح والسعي الدؤوب لانتزاع المعاناة التي التصقت بها جراء الحرب المشتعلة في البلاد مُنذ 5 سنوات، والتي ألقت بظلالها على شتى جوانب الحياة في الحضر والريف.
وفي مديرية جبل حبشي الواقعة بريف مدينة تعز الغربي، شاركت المرأة في عملية رصف الطرق المتهالكة في معظم قرى المديرية ذات المنحدرات الجبلية الخطيرة التي تبعث الهلع والخوف لمجرد النظر إليها! ويجد الأهالي صعوبة في التنقل عبرها، ويجبرون على الاستسلام لقيود المكان، وعدم التنقل إلى خارج مناطقهم سوى للضرورة، مع تحمل مشقة كبيرة.
وضعهم ذلك لا يتمحور في المعاناة الجسدية والنفسية فقط، بل في الأحيان يقودهم إلى الموت! وفي حال تعرض أحدهم لوعكةٍ صحية قد يفارق الحياة قبل وصوله المدينة.

مشاركة مجتمعية فاعلة

شكّلت تلك الطرق الوعرة، خصوصاً بعد تدهورها في الفترة الأخيرة، معاناة كبيرة للأهالي، وتسببت في الكثير من الحوادث، الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن حلول لإصلاحها، بعد أن طال انتظارهم لتدخل السلطات المنشغلة بظروف الحرب التي تعيشها البلاد، وما رافقها من حصار وانقطاع معظم موارد الموازنة العامة منذ سنوات، حيث عملوا على إطلاق مبادرات مجتمعية ذاتية يقومون من خلالها بتوفير المواد الأساسية اللازمة لتسوية ورصف أجزاء من تلك الطرق، وكانت للمرأة مشاركة فاعلة في ذلك وحضور بارز إلى جانب الرجل. فقد عملت على نقل مواد البناء ونقل المياه ورفع الأحجار المتساقطة على الطريق، وتسويتها لتهيئة عملية الرصف.
وعلى الرغم من تلك الصعوبات التي واجهتها المرأة الريفية في جبل حبشي، وحملت على عاتقها مسؤولية النهوض بمجتمعها، إلا أنها أرادت أن تكون لها بصمة وظهور يليق بالمرأة اليمنية المكافحة، وطمس الهالة التي رسمها المجمتع اليمني عليها بالاستنقاص منها والاستهانة بقدراتها.
وتقول وجدة النصاري، من أبناء عزلة يفرس، وإحدى المشاركات في عملية رصف الطرقات، لــ”المشاهد”: “أشعر بالفخر والاعتزاز الكبير بمشاركتي في عملية الرصف في قريتنا، وأشعر بالارتياح اكثر عندما أرى هذا الإنجاز الكبير الذي كنتُ جزءاً منه”.
وفي عزلة يفرس شاركت 25 امرأة في عملية الرصف، ولم يكن من المتوقع أن تقوم بأعمال شاقة وتحت ظروف قاسية بحسب النصاري، موضحة بالقول: “قمنا بأعمال صعبة لم نكن نتوقع أن نعملها، حيث عملنا على تسوية الطريق ونقل الأحجار لتهيئة عملية الرصف، وعملنا على نقل المياه ونقل مواد البناء”.
وترى غدير محمد، من أبناء عزلة عدينة، في حديثها ، أن الأعمال التي قامت بها المرأة في جبل حبشي كانت تخدمها بشكل رئيسي.
وتقول: “أعتقد أن الأعمال التي قمنا بها في عملية الرصف، لم تكن جديدة علينا، لأنها كانت على عاتق المرأة أساساً قبل الرصف، فقد كنا نعمل على نقل البناء والماء والمواد الغذائية وكل احتياجاتنا الأساسية، بسبب وعورة الطريق وصعوبة مرور السيارات عليها، وبالتالي هذا يخدم المرأة، ورصف الطرقات إنهاء أكبر معاناة تعيشها المرأة”.
ويسلك الأهالي طرقاً ذات تضاريس وعرة، وعلى منحدرات جبلية خطيرة، وفي الغالب يضطرون لقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام، خصوصاً في موسم الأمطار، حيث تسوء حالة الطرقات وتتدهور أكثر، الأمر الذي مثل معاناة ومأساة كان للمرأة النصيب الأكبر منها، كما تقول غدير، مضيفة: “عانينا كثيراً من وعورة الطرق وتدهورها، وواجهنا مشاكل كثيرة، وكانت تصل السيارات للقرية على بعد كيلومترين من المنزل، ونجبر على نقل احتياجاتنا المعيشية بقطع تلك المسافة مشياً على الأقدام، وحتى المرأة الحامل تضطر لذلك”.

مساهمات المرأة في جبل حبشي، على المشاركة في رصف الطرقات، بل أيضاً كان لها حضور في شتى جوانب الحياة. حيثُ قامت بالدور التثقيفي، ورفع مستوى الوعي الاجتماعي .

وتشير إلى أن المرأة كانت أول من شارك في عملية رصف الطرق فور انطلاق المبادرات، وكانت مشاركتها بنسبة 90٪.

 

عاملات في المجال الصحي

في مطلع العام 2018، قامت السلطة المحلية في المديرية بتشكيل مجالس تعاون القرى يتم انتخاب رؤسائها وأعضائها من قبل الأهالي، عن طريق برنامج التمكين التابع للصندوق الاجتماعي للتنمية، ويعملون من خلالها على إدارة أنشطتهم التنموية والاجتماعية، ورفع تقارير احتياجاتهم الأساسية والخدمية، بحسب أولوية الاحتياج إلى السلطة المحلية بالمديرية، لدراسة احتياجاتهم وتسويقها إلى المنظمات المحلية والدولية، وحصلت المرأة على عضوية النصف من هيكلها الإداري، حيث كان عدد المجالس 77 مجلساً، بقوام 350 رجلاً و350 امرأة في عموم قرى وعزل المديرية، على أن يتشكل مجلس تعاون كل قرية بقوام 5 رجال و5 امرأة.

تم رصف الكثير من الطرقات في 78 قرية ومحلة، من أصل 12 عزلة في المديرية، وبأكثر من 124 مبادرة مجتمعية بجهود الأهالي، وبمساندة الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومنظمة كير العالمية. وتم رصف طريق بطول 14 كيلومتراً.

ولم تقتصر مساهمات المرأة في جبل حبشي، على المشاركة في رصف الطرقات، بل أيضاً كان لها حضور في شتى جوانب الحياة. حيثُ قامت بالدور التثقيفي، ورفع مستوى الوعي الاجتماعي في بعض القرى والعزل عن طريق فرق تشكلت من جنسها. كما هو الحال أيضاً في الجانب التعليمي من خلال فتح مراكز تعليمية لمحو الأمية في منازلهم لتعليم الأمهات والنساء والأطفال، وفي الجانب الصحي كان لها دور في توعية المجتمع، وتثقيفهم في مجالات الصحة الإنجابية والحميات والأمراض والأوبئة، بعد أن عمل مكتب الصحة بالمديرية على تدريب وتأهيل أكثر من 100 عامل صحي مجتمعي من فئة النساء بالمديرية.

ثورة وحراك تنموي

المبادرات الذاتية التي أطلقها الأهالي رجالاً ونساءً، بجهودهم وإمكانياتهم البسيطة، والتي تشكلت في بعض القرى ببداية الأمر، تسببت في إحداث ثورة وحراك تنموي في المديرية، لم يسبق أن شهدته في تاريخها، لاسيما بعد حصولهم على دعم من بعض المنظمات الدولية التي عملت السلطة المحلية في المديرية على متابعتها وتمكينها من تدخلها في المديرية وإنزال مشاريع وبرامج في الجانب التنموي والإغاثي.
وقد تم رصف الكثير من الطرقات في 78 قرية ومحلة، من أصل 12 عزلة في المديرية، وبأكثر من 124 مبادرة مجتمعية بجهود الأهالي، وبمساندة الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومنظمة كير العالمية. وتم رصف طريق بطول 14 كيلومتراً.
أما في مجال شق الطرقات الجديدة، فقد تم شق 6 طرق جديدة خلال عام 2019، في عموم قرى 3 عزل بالمديرية، بتمويل من منظمات دولية، بالشراكة مع السلطة المحلية بالمديرية، بتنفيذ المبادرات المجتمعية.
وأكبر طريق تم شقها في المديرية، تربط بين قرى عزلة بني عيسى وقرى عزلة بلاد الوافي، التي تعتبر أصعب المناطق ذات التضاريس الجبلية الوعرة.
ولم يستسلم الأهالي في جبل حبشي، للواقع الذي فرض عليهم جراء الصراع القائم في البلاد، والذي أنتج حالة من الجمود والتفرقة التي تجعل المجتمع يتخلى عن استثمار طاقاته، بل أطلقوا العنان لأياديهم العاملة للنهوض بمجتمعهم، في صورةٍ تعكس روح التعاون والتكاتف المجتمعي، وانعكاساته الإيجابية.

 

*المصدر: المشاهد نت

Exit mobile version