إن أقسى ما تستطيع أن تجرح بهِ شخصًا صادقًا مخلصًا، هو اِتهامهُ بالزيف والاِرتزاق.
بات هذا الاِتهام رائجًا بغزارة هنا؛ تُهمة جاهزة مُعلبة، يُلقيها عليك الجاهل وشبه المُثقف ونصف المُثقف وربع المثقف.
ما إن تبدأ بالتفكر والتساؤل، وعرض المواضيع ومناقشة قضايا الوعي، وأفكار الوجود الكبرى، فورًا يقذفونك بالانتهازي، اللاهث خلف الشهرة والأموال.!
تكتبُ مقالًا تنتقد فيه فكرة سائدة شائهة، دفعك حبك العميق واهتمامك الشديد تجاه مجتمعك لنقدها وتمحيصها، فلا تجد بالمقابل سوى الإساءة والسخرية، والتبخيس من قيمتك كإنسان والطعن في شرفك النفسي والعقلي والإنساني الحقيقي.! حتى وإن كانت وجهة نظرك خاطئة ومستهلكة، فإنهم يفتقدون إلى أبسط معايير النقاش والاِختلاف، ولا يجيدون أدب وأخلاقية وعقلانية الحوار، ولا يناقشون الفكرة كفكرة، بل سيُسارعون إلى شخصنة الحوار والنيل منك بألذع الشتائم الجارحة.!
مجتمعٌ لا يقبلُ منك إلا ما يريده وما هو سائد، وإلا عزلك وأقصاء وجودك، وشكك في نواياك، وحذر منك ونعتك بالجاهل المُتخلف.!
يا صديقي لا ترضخ لأية سُلطة كانت؛ كن أنت سُلطة ذاتك، السُلطات تُريد اِستعمار أفكارك، كل من له سلطة عليك يستبيح حرمة تفكيرك، يُقيدك في باحة السائد والموجود؛ هؤلاء موجودون بكل تفاصيل حياتك.
الجميع يريدك أن تكون سطحيًا لا تتجاوز القشرة الأولى للحياة الروتينية، يريدونك أن تظل جاهلًا بقضايا الوعي المهمة وأفكار الحياة.. إياك أن ترضخ لهم؛ فك قيود عقلك، أطلق حرية تفكيرك، اسلك مسلكٍ مغاير لمسلكهم، وواجههم بكل ثباتٍ وقوة، أنت الحقيقة وهم الخرافة، أنت الصدق وهم الوهم، أنت الإيمان وهم الكفر. لن يدعوك وشأنك، سيحاولون تبخيسك والطعن في أصالتك، سيهزأون بوعيك ويقذفونه بالقاصر العاجز عن تدبر الحكمة العالقة خلف هذيانهم السخيف!
سيقولون لك هذا حرفيًا، فثقافتهم لا تسمح لهم بالخروج عن النمط الواحد حتى بالشتم والقذف والتزييف! لا تدعهم يهزأون بك أو يسخرون من أفكارك، لا تسمح لهم أن يُقنعوك بكونك جهُولًا لا تفقه شيء، وأن اهتماماتك وأفكارك هابطة، ولست جديرٌ بمناقشة القضايا المهمة؛ إياك أن ترضخ لهم، دافع عن كينونتك بكل ما أوتيت من جسارة وحرية، ولا تقبل بتلك الصورة النمطية المقيتة التي يحاولون حتمها عليك بقصد تبخيس قيمتك كإنسان.