مانشيت

مقتل الحمدي بحسب تقارير الخارجية السوفييتية

محمد ناجي أحمد

وفقاً لما يرويه المؤلف: د.أوليغ بيرسيبكين في كتابه (اليمن واليمنيون) عن الليلة الواقعة بين 11-12 أكتوبر 1977 فإن جثة إبراهيم الحمدي رئيس مجلس القيادة في الجمهورية العربية اليمنية وجدت “في قصر الضيافة في محافظة صنعاء، ووجدوا جثة شقيقه أيضاً مع امرأتين فرنسيتين مما أعطى الفرصة بأن يدور الحديث عن مقتلهم على يد بعض المتطرفين الدينيين” ص312.

 

وفي الحقيقة، فإن اغتيال الرئيس الحمدي وأخيه عبد الله تم في بيت نائبه أحمد حسين الغشمي، حين تم استدراجه بحجة عزومة الغداء على شرف عبد العزيز عبدالغني وعبد السلام مقبل، ثم بعد ذلك نُقلت جثتاهما إلى بيت في (حدة) وأُلقي إلى جانبهما بجثتي الفرنسيتين، كي يتم إخراج جريمة الاغتيال بأنها اقتتال بين الأخوين على الفرنسيتين!

 

يستدرك المؤلف فيقول “إن سفارتنا في صنعاء التي كان يترأسها فاسيلي كورنيف لم يستثن بأن عملية القتل تمت بمبرر آخر، وأن مقتل إبراهيم الحمدي تم على يد أعوان مشايخ ومن المحتمل أن يكون السعوديون أنفسهم بسبب خوفهم من عملية إعادة تنظيم داخلي للبلاد بصفة تقدمية”.

 

أولى “غرينيفسكي” مبعوث بريجنيف والخارجية السوفيتية إلى عدن وصنعاء بعد مقتل الرئيسين أحمد حسين الغشمي وسالم ربيع علي- أولى عبد الفتاح إسماعيل اهتماماً، فقد تميز عبد الفتاح بحسب ما ينقله المؤلف عن “غرينيفسكي” بتفانيه المخلص لخدمة مبادئ الثورة.

 

فقد شبهه بتشي غيفارا الذي كان على استعداد لأن يسيل بحر من الدماء من أجل الثورة وأن يضحي بصديق الأمس.

وليس من العبث أن يكرر عبد الفتاح إسماعيل – عدن- هي كوبا في الجزيرة العربية” ص317.

 

يتناقض نهج عبد الفتاح إسماعيل وما يمثله من رمزية مدينية مع ما نقله المؤلف، فقد فضل فتاح النفي والابتعاد إلى الاتحاد السوفييتي عام 1980 حتى لا يحترب الرفاق وتسال الدماء.

 

وإن كان في موقفه من إقصاء قحطان الشعبي، ومقتل فيصل عبد اللطيف الشعبي ثم مقتل سالم ربيع علي كان ينطلق من منظور أيديولوجي، يبرر الإقصاء والقتل بالنقاء الطليعي، وإن كانت موازين القوة ليست بيده، فالقوى التي تحتكم إلى السلاح تستخدم الأيديولوجي للتبرير لكنه في جوهر الصراع ليس وازنا ولا محركا، إنه يؤدلج الصراع على أساس اليسار الثوري واليمين الرجعي واليسار الانتهازي واليسار الطفولي، كما جاء في مقالاته التي نشرها في الصحف اللبنانية وفي صحيفة الثوري عقب مقتل سالم ربيع علي!

 

لم يعد عبد الفتاح إسماعيل إلى عدن في مارس 1985 إلاَّ بعد إلحاح الطرفين المحتكرين لأدوات عنف السلطة والقبيلة، وكان كل طرف جاهزا لتصفية فتاح في حال أصبحت الغلبة لصالحه.

 

يذكر يحيى منصور أبو اصبع في ذكراته أنه حين التقى بعبد الفتاح إسماعيل في موسكو حذره من العودة إلى عدن، وأن عبدالفتاح إسماعيل كان رهانه على استعادة الحزب للحمته كبيرة.

 

غاب عنه أن جوهر الأزمة في جمهورية اليمن الديمقراطية تكمن بحسب “علي الصرّاف” في كتابه (اليمن الجنوبي-الحياة السياسية من الاستعمار إلى الوحدة) والصادر عن دار الريس-ابريل 1992م – أنه لم يكن باستطاعة جنوب اليمن أن يعيش ككيان سياسي مستقل، إلاّ على ذلك النحو من التنافرات والمسابقات الدموية من أجل السلطة.

 

فمن يلعب الأدوار الرئيسية ويتحكم بالسلاح ويفرضه لغة للتعامل مع التباينات هم الممثلون للمجتمع القبائلي، فليس هناك نخبة مدينية مؤثرة ووازنة في صراعات الجنوب.

 

من المتفرقات التي لفتت نظري في كتاب الدكتور أوليغ بيرسيبكين “اليمن واليمنيون” نقله لتهنئة من رابطة الجنوب العربي تلقتها المفوضية السوفياتية في تعز، تحمل توقيع مندوبها آنذاك علوي الجفري، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في نوفمبر 1960.

 

فقد كُتِب على استمارة المنظمة هذه: منظمة وطنية سياسية تهدف إلى التحرر والوحدة والاشتراكية.

 

وهذه الوثيقة محفوظة في أرشيف وزارة الخارجية الروسية حتى الآن” ص148.

 

من الواضح أن تواجد قيادة الرابطة في مصر قد أثر على برنامجها، ووجه هدفها نحو (التحرر والوحدة والاشتراكية).

 

يبدو لي أن صفوة المجتمع اليمني من سادة وقضاة ومشايخ منذ ثلاثينيات القرن العشرين كان لديهم الاستعداد بل وسعوا إلى التواصل مع دول إقليمية ودولية، سواء السعودية أو إيطاليا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي.

 

هناك العديد من الأمراء أبناء الإمام يحيى وأحفاده فتحوا خطوطاً للتواصل مباشرة أو من خلال من يثقون به من بطانتهم، ولكي لا أكرر ما كتبته سابقا عن بعض الشخصيات، فسوف أكتفي في هذه المقالة بأن أضيف بما يتعلق بالقاضي أحمد السياغي، الذي كان نائبا للإمام أحمد في لواء إب، ثم فر إلى عدن خوفا من بطش الإمام أحمد وذلك بسبب انحيازه إلى سيف الإسلام الحسن في الصراع بين البدريين والحسنيين على الحكم.

 

وفي عدن كانت تربط القاضي أحمد السياغي بسلطان لحج والحاكم البريطاني في عدن علاقات دعم بالمال والسلاح لإثارة القلاقل في تعز وإب وصنعاء.

 

في هذا الكتاب “اليمن واليمنيون” يشير المؤلف إلى معلومة أخرى، فالبعثة الدبلوماسية للاتحاد السوفيتي التقت بالقاضي أحمد السياغي.. فاتخذ هذا اللقاء طابعا سريا”ص154.

ولسرية هذا اللقاء لم يذكر لنا المؤلف تفاصيله.

 

من ذكريات المؤلف عن العديد من العاملين في الخارجية اليمنية في العهد الملكي، يذكر للقارئ انه في ابريل 1960م كان سيف الإسلام محمد البدر وزيرا للخارجية، وسيف الإسلام عبد الرحمن بن يحيى نائبَ وزير ومديرا عاما، وعبدالرحمن عبد الصمد أبو طالب القائم بأعمال الوزير، وذكر العديد من موظفي الخارجية آنذاك، منهم: علي رجاء، رئيس قسم المراسم.

 

وقد ورد اسم علي رجاء كمترجم في القصر في العديد من المذكرات السياسية، سواء في مذكرات الدكتور حسن مكي، أو كتاب (تعايشي مع الحركة الوطنية) لأحمد منصور أبو اصبع، والذي أشار فيه إلى أن علي رجا كان من المنخرطين تنظيمياً في الخلايا التي نظمها عبدالغني مطهر داخل القصر “المقام”، وكذلك ورد ذكره في مذكرات عبد القادر الخطري.

 

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك

Exit mobile version