مانشيت

قرارات “محور تعز” بالسطو على الإيرادات.. تتويج تاريخ من فساد الإصلاح

مانشيت-متابعات

أقدمت قيادات في الجيش التابع للشرعية  والمحسوبة على  حزب الإصلاح التي تفرض سيطرتها على محافظة تعز، وفي تمادٍ واضح في التدخل في الشؤون المدنية في المحافظة، على إصدار حزمة من القرارات غير القانونية، فرضت عبرها رسوماً وجمارك وأقرت فيه توريد معظم إيرادات المحافظة إلى حساب “محور تعز العسكري” التابع للإصلاح، في خطوة وصفها مراقبون بالانقلابية. بينما دفع ذلك رئيس الحكومة الشرعية معين عبدالملك إلى التوجيه بإلغاء هذه القرارات والتحذير من تكرارها.

كان اجتماع عقده قائد محور تعز اللواء الركن خالد فاضل ومعه القيادات العسكرية لمحور تعز، وبحضور وكيل المحافظة عارف جامل بصفته “القائم بأعمال المحافظ”، قد خرج بحزمة من القرارات، تضمنت فرض رسوم على عدد من الخدمات يتم توريدها إلى حساب خاص بقيادة المحور لدى البنك المركزي، بالإضافة إلى عمل جمرك جديد خاص بالمحافظة على غرار المنافذ الجمركية التي أنشأتها جماعة الحوثي.

ونصت قرارات الاجتماع على زيادة الرسوم المخصصة لاستخراج جواز السفر من (3,500) ريال إلى (7,000) ريال تورد إلى حساب المحور طرف البنك المركزي، ويلتزم فرع مصلحة الهجرة والجوازات بالمحافظة بالتنفيذ، والبدء بتحصيل الرسوم الجمركية على الدراجات النارية والمركبات، وتحديد نفس مبلغ الرسوم على كل مركبة أو دراجة نارية، ويورد إلى حساب المحور في البنك المركزي، بالإضافة إلى عمل نقطة جمركية في مدخل المحافظة عبر مكتب الجمارك تقوم بتحصيل الرسوم الجمركية على جميع البضائع الداخلة للمحافظة، وإضافة الرسوم الجديدة المخصصة للمحور بموجب الآلية المتفق عليها مع مدير الجمارك، وتوريدها إلى حساب المحور طرف البنك المركزي، إضافة إلى توريد جميع الرسوم على المشتقات النفطية والسجائر والألعاب النارية وبضائع أخرى إلى نفس حساب المحور.

وألزم الاجتماع مدير مكتب الضرائب عبر متعهد ضريبة القات بتوريد مبلغ اثنين مليون ريال يوميا إلى حساب المحور طرف البنك المركزي خلافا لحصيلة ضريبة القات اليومية المتفق عليها بموجب العقد المبرم مع متعهد ضريبة القات ومكتب الضرائب لتحصيله لصالح السلطة المحلية.

وأكد الاجتماع على استمرار قيادة المحور وقيادة السلطة بعقد اجتماعاتها مع باقي المكاتب لتحديد الرسوم المضافة على مستوى كل مكتب، وتوريدها إلى حساب المحور.

وأثارت هذه القرارات ردود أفعال وسخط شعبيين، في حين دفعت برئيس الوزراء إلى إصدار توجيهات بإلغائها وإلغاء كل ما ورد في محضر الاجتماع. وإيقاف أي ممارسات تتضمن فرض رسوم خارج القانون وإيقاف التدخل في مهام الأجهزة المعنية تحت أي مبرر ومحاسبة كل من يمارس ذلك.

وفي برقية بعث بها إلى محافظ تعز وصف رئيس الحكومة فرض رسوم وتوريدها إلى حسابات خاصة باسم قيادة المحور بالمخالفة لنصوص القانون المالي رقم (8) لسنة 1990م، ولائحته التنفيذية، وكذا مخالفته للقوانين واللوائح ذات الصلة بتوزيع الاختصاصات وتحديد الصلاحيات المناطة بمختلف سلطات الدولة.

تاريخ من الفساد:

جاءت قرارات الاجتماع، الملغي من قبل رئيس الوزراء، تتويجا لعدد من الخطوات التي تقوم بها قيادات في الجيش الموالية لحزب الإصلاح لاستكمال سيطرتها على محافظة تعز، وهي الخطوات التي تتكئ في شعاراتها المرفوعة على أبرز قضيتين نجح حزب الاصلاح  تحويلهما إلى أوعية إيرادية إلى خزائن الحزب وقياداته، وهما قضية الجرحى، وقضية الجبهات.

اشار محور تعز  في ديباجة اجتماعه، إلى أن الاجتماع يأتي حرصا على عدم تفاقم الوضع وانتشار الفوضى، ولوضع المعالجات الطارئة والعاجلة انطلاقا من المصلحة العليا للمحافظة، في ظل عجز الحكومة عن وضع أي معالجات، وإن قرارات الاجتماع تأتي لوضع الحلول العاجلة والطارئة والمتعلقة بالتغذية والمصاريف للألوية العسكرية وعلاج الجرحى في ظل انقطاع مرتبات الجيش والتغذية وعدم صرف مستحقات الجرحى.

مع بداية الحرب في تعز في العام 2015 عمل حزب الإصلاح على إنشاء جمعية أطلق عليها اسم ”مؤسسة رعاية” وأوكل رئاستها إلى القيادي في الحزب نبيل جامل، والذي يشغل أيضا منصب مدير عام التخطيط بالمحافظة، حيث تحولت المؤسسة إلى الوعاء الذي يتم من خلاله تلقي الدعم الحكومي والدعم المقدم من التحالف، بالإضافة إلى التبرعات المالية المقدمة إلى تعز باسم الشهداء والجرحى.

وعلى الرغم من ان المؤسسة مهمتها الرئيسية رعاية الشهداء والجرحى، الا انها تحولت بحسب وصف احد جرحى تعز  إلى وسيلة استرزاق لحزب الإصلاح بشكل مهول كشف عنه حجم الأموال الضخمة التي تلقتها المؤسسة من جهات مختلفة، دون أن يستفيد منها الشهداء والجرحى، باستثناء المنتمين لحزب الإصلاح.

وكان الناشط السياسي عبدالستار الشميري، قد كشف مؤخرا عن أرقام مهولة لمبالغ تسلمتها جماعة الإخوان المسلمين في محافظة تعز باسم الشهداء والجرحى خلال سنوات الحرب، مؤكدا بأنه يتم تحويل مبالغ مالية باسم أسر شهداء وجرحى تعز بدفع شهرية، وأحيانا على كل ثلاثة أشهر من قبل التحالف والحكومة، وبعضها بناءً على أوامر رئاسية استثنائية، مشيرا إلى احتفاظه بصور لهذه الأوامر.

الشميري قال أنه خلال الست السنوات الماضية كانت أقل دفعة للمبالغ المستلمة تقدر بسبعة مليون ريال سعودي، ووصلت بعض الدفع إلى واحد وعشرين مليون ريال سعودي، مؤكداً بأن المؤسسة ومنذ بداية الحرب تسلمت أكثر من ثلاثمائة مليون ريال سعودي.

وأشار الشميري إلى أن الحكومة صرفت ما يقارب المليار والنصف ريال يمني خلال السنتين الأولى والثانية من الحرب، وقدر أول مبلغ بمائتين مليون ريال يمني، ثم خمسمائة مليون ريال يمني، مشيرا إلى أن هذا المبلغ قد تم صرفه لمحافظة تعز في عهد حكومة بن دغر على حساب رقم (174,042) باسم المحافظة في البنك الأهلي بمحافظة عدن، وتم نهبه كاملاً في أسبوع، مؤكدا احتفاظه بالوثائق الرسمية التي تؤكد هذه المعلومات.

الاستغلال المالي لقوات الجيش المحسوبة على حزب الإصلاح لم تتوقف عند هذا الحد، بل امتد إلى قيام الميليشيا التي تمثل سلطة الأمر الواقع في تعز بالخصم من رواتب المدنيين والعسكريين في المحافظة وبطريقة مخالفة للقانون تحت مسمى قسط دعم الجرحى، وهو الأمر الذي اعترفت به الميليشيا وبشكل رسمي في محضر اجتماع قيادة المحور الأخير.

نجاح ميليشيا الإصلاح في استغلال قضية الجرحى في الجانب المالي، وتحويلها إلى وسيلة لابتزاز السلطة المحلية والحكومة الشرعية والتحالف العربي والمواطنين أيضا، جعلها تنظر إلى قضية الجرحى باعتبارها قضية رابحة، لتلجأ إلى استغلالها سياسيا واستخدامها كورقة ضغط لممارسة الابتزاز السياسي.

وخلال فترة المحافظ السابق لتعز الدكتور أمين أحمد محمود عمل حزب الإصلاح على تأسيس كيان سياسي تابع لها تحت اسم ”رابطة الجرحى” وأوكلت قيادته إلى عدد من أفراد الحزب ومعظمهم لا علاقة لهم بالجرحى، ك”عمروس الصمدي” الذي أصيب بطلق ناري خلال نهبه لمنزل الشيخ سلطان البركاني في العام 2011 ولا علاقة له بجرحى الحرب من قريب ولا بعيد.

أوكل حزب الإصلاح إلى ما تسمى ”رابطة الجرحى” تسيير مسيرات احتجاجية ضد محافظ تعز الدكتور أمين أحمد محمود، وضد الدكتورة إيلان عبدالحق وكيلة محافظة تعز لشؤون الصحة والتي كانت تشغل منصب رئيس لجنة الجرحى، وكان الهدف من الاحتجاجات إقالة الدكتورة ايلان من منصبها وهي العضو الوحيد في اللجنة الذي لا ينتمي لحزب الإصلاح.

لاحقاً نجح الحزب في إقالة الدكتورة إيلان لتتم له السيطرة على كامل عضويات لجنة الجرحى ومع ذلك فقد فشل في إدارتها واستخدامها لصالح أجندته.

بيد أن ما تسمى برابطة الجرحى استمرت بفعالياتها الاحتجاجية ضد الخصوم السياسيين لحزب الإصلاح، فتظاهرت الرابطة ضد محافظ المحافظة، وضد مدير هيئة مستشفى الثورة العام، وضد كل مسؤول لا ينتمي لحزب الإصلاح.

أتقن حزب الإصلاح استغلال قضية الجرحى، وبدأ بالتوازي معها باستغلال قضية الجبهات، حيث مارس نفس سلوك ميليشيا الحوثي بنهب الأفراد والمؤسسات تحت اسم ”دعم الجبهات” والتي يسميها الحوثيون ”المجهود الحربي”.

إلى ذلك أنشأ الإصلاح حملات ومسميات مختلفة لجلب الأموال منالتبرعات واالاستقطاع من الرواتب لما اسمته  دعم الجبهات، ومن مسمى ”الزاد والزناد”، ”الدعم والإسناد”،”النفير”.

لا تغير ميليشيا حزب الإصلاح من السلوكيات والوسائل، لكنها – ولفقه الضرورة – قد تلجأ للتغيير في المسميات، والتي كانت ”رابطة الجرحى” ولدت من جديد تحت اسم جديد هو ”المرابطون” وهي جناح ميليشاوي تابع لحزب الإصلاح، أوكل الأخير إليه عملية اقتحام المكاتب التنفيذية ومؤسسات السلطة المحلية وإغلاقها تحت مبررات واهية، أعلنت عنها الميليشيا في محضر اجتماع قيادة المحور الأخير، وهو نفس المحضر الذي تضمن الاعلان عن المسؤولية عن عمليات الاقتحام هذه.

محضر الاجتماع كدليل:

وبالعودة إلى محضر الاجتماع الملغى يمكن القول إننا أمام دليل على كثير من ممارسات الفساد الذي تمارسه جماعة الإخوان في تعز.

فقد أشارت ديباجة الاجتماع الانقلابي الملغى لمحور تعز إلى ما وصفته بالمشكلة المتمثلة بإغلاق مبنى المحافظة وقيادة المحور ومكاتب السلطة المحلية من قبل بعض أفراد كتائب الألوية العسكرية المطالبين بعلاج الجرحى ومصاريف وتغذية الجبهات، وهو اعتراف صريح بأن الانقلابيين الذين اقتحموا مؤسسات الدولة وقاموا بتعطيلها ينتمون للألوية العسكرية.

محور تعز وفي محضر الاجتماع الملغى اعترف أيضا بمسؤولية الألوية العسكرية التابعة لمحور تعز عن نهب الممتلكات الخاصة والعامة من أفراد وقيادات تتبع ألويتهم، وكذا السطو على الأراضي العامة والخاصة وتواجد الأفراد والأطقم في الأراضي المنهوبة، والتستر على المطلوبين أمنيا في قضايا جنائية من أفراد الألوية، وهي السلوكيات التي وعد المحور بإيقافها والتصدي لها في حال تطبيق مخرجات اجتماعه الانقلابي.

وبالمجمل فإن كل ما كانت القوى المدنية تريد قوله عن فساد ميليشيا الإصلاح في تعز، باتت الميليشيا تقوله اليوم وفي محاضر رسمية، وتبقى الكرة في ملعب قيادة الشرعية التي يتوجب عليها اتخاذ موقف إن كانت تريد الحفاظ على ما تبقى من هامش للشرعية في تعز، وإلا فإن الموعد قد حان للإعلان عن تعز مدينة منكوبة تتقاسمها ميليشيا الحوثي وميليشيا الإصلاح.

 

*المصدر: منصة26سبتمبر

Exit mobile version