قال السفير الفرنسي لدى اليمن جان ماري صفا، إن زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، هو وحده من يمكنه دفع الجماعة المتحالفة مع إيران نحو السلام. والتخلي عن الخيار العسكري الذي يقود البلد العربي المنكوب إلى طريق مسدود.
وقال صفا إن السؤال المطروح اليوم هو “إلى متى يستمر الحوثيون في محاربة جميع اليمنيين؟ لا يمكنهم أن يقولوا إنهم يدافعون عن اليمن واليمنيين وهم يقتلون يمنيين يوميا!.”
وحض السفير الفرنسي جماعة الحوثيين، والأطراف المتحاربة في البلاد إلى الاستماع لرسالة اليمنيين “البسيطة جدا” التي يريدون فيها “السلام ودولة للجميع. وليس دولة قمعية أو طائفية. بل دولة في خدمة الشعب”.
اضاف: “إذا أردنا أن نساعد الشعب اليمني بأكمله، لا بدّ من الاستماع إلى هذه الرسالة. لا يمكن لطرف واحد أن يحكم اليمن”.
وأوضح الدبلوماسي الفرنسي، أن بلاده التي ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي الشهر المقبل “ستستمر بمناداة جميع الاطراف الى الاحترام المطلق للقانون الدولي الإنساني. لأن حماية المدنيين واجبٌ مفروض على الجميع”.
كما تطرق، صفا، في حوار أجراه معه موقع “يمن فيوتشر”، إلى الدور الفرنسي في اليمن، وأبعاد عودة الحكومة المعترف بها، واللقاءات المنفصلة مع القوى اليمنية. إلى تفاصيل الحوار
حاوره ثريا دماج:
-
هناك اعتقاد أن فرنسا، تراجعت أو انسحبت نوعا ما من الملف اليمني. فرنسا التي كانت أكبر مستثمر أوروبي، فرنسا التي كانت ميسر رئيس لصياغة دستور المرحلة المقبلة.. أو على الأقل أن الرئيس السابق فرانسوا هولاند قال في زيارة للخليج أن فرنسا مستعدة للعب دور محوري في الملف اليمني. لم يقل الرئيس ماكرون شيئا من هذا القبيل خلال زيارته الاخيرة؟
– تمحورت زيارة فخامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دول الخليج حول الأمن والاستقرار الإقليميين. وقد تناول البيان المشترك الّذي صدر عقب زيارته إلى المملكة العربية السعودية كلّ المواضيع الإقليمية، من ضمنها اليمن مع رسالة واضحة بشأن المرجعيات الثلاث.
فرنسا حاضرة بقوّة في المنطقة، وهي الدولة الوحيدة العضو الدائم في مجلس الأمن وفي الاتحاد الأوروبي في الوقت نفسه، الّذي سنتولّى رئاسته ابتداءً من يناير 2022 المقبل، وهي تحاور جميع الأطراف حاملة لواء السلام في مساعيها الدبلوماسية.
فرنسا دولة تؤمن بتعددية الأطراف، وتعتقد أنه لا يمكن حلّ الأزمات إلا بالتعاون من قبل الجميع. وهي تسخر طاقتها لخدمة هذا التعاون المتعدد الأطراف، في كلّ مكان وزمان.
وبالتالي نحن نعتقد أن البحث عن السلام والاستقرار في المنطقة، يصبح أكثر تآزرا من خلال تقارب وجهات النظر وتكثيف الجهود لصالح الحوار والتفاهم المتبادل. لذلك تساهم فرنسا بفعالية في التعاون بين الجميع في خدمة السلام. وأنا أعتقد أن دورها بارز ومقدّر في هذا السياق.
-
الحكومة اليمنية تكرر دعوتها للشركات الفرنسية بالعودة إلى الاستثمار في البلاد.. نتحدث عن شركة توتال تحديدا. ما الذي يحول حتى الان دون استئناف تشغيل ميناء بلحاف الذي تستحوذ توتال على حصة رئيسية فيه؟
– أنا لست ممثلا عن شركة توتال، التي هي شركة خاصة. فقد قررت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال Yemen LNG Group، التي تضمّ العديد من الشركات الأجنبية، من ضمنها شركة توتال تعليق نشاطاتها في بلحاف. وتدهور الوضع في اليمن يفسّر هذا الخيار.
-
زرتم عدن مؤخرا لمرتين متتاليتين. ما هي انطباعاتكم الواقعية بشأن الزيارة؟
-لقد زرت عدن بالفعل وفي أقل من شهر مرّتين: في نهاية شهر أكتوبر في إطار زيارة أوروبية ومن بعدها بثلاثة أسابيع في إطار زيارة ثنائية. يجب أن يمرّ الحلّ في اليمن من خلال حكومة فعّالة، قادرة على تلبية متطلبات الشعب اليمني وعلى إعادة بناء دولة لجميع المواطنين والمواطنات في اليمن.
إن عمل الحكومة في عدن “العاصمة المؤقتة” هو المفتاح لمستقبل أفضل لليمن. وكانت زياراتَيّ بمثابة رسالة قويّة دعمًا لهذا التوجه. في هذا السياق، إن التطبيق الكامل والشامل لاتفاق الرياض ضروريّ لنجاح الحكومة المعترف بها من قبل المجتمع الدّولي.
نحن نعرف جميعنا المصاعب التي تواجهها هذه الحكومة، غير أنها تبقى الأمل الوحيد لإعادة بناء دولة القانون ودولة مواطنة تضمّ جميع اليمنيين. وهي تستحق الاستمرار على الرّغم من كلّ التوترات الموجودة على الأرض بين جميع الأطراف، هي تجسّد تعددية المشهد السياسي اليمني وتنوّعه. هي تسعى إلى جمع اليمنيين وليس إلى تفريقهم، وتحمل مشروع دولة يحترمها كلّ اليمنيين. وهي بطبيعتها تعزز التعايش. هذا هو السبيل الوحيد الممكن لإحلال السلام في اليمن.
-
بالنظر الى التصعيد الكبير للأعمال القتالية حول مدينة مارب.. ماذا سيعني سقوط المدينة بقبضة الحوثيين؟
– ما أراه في مأرب هو معركة شرسة بلا رحمة بين أطراف يمنية. ما أراه في مأرب، هو تصميم الجانب الحوثي منذ سنوات على وضع يده على هذه المحافظة بالقوّة، من دون جدوى، وفي المقابل تصميم المقيمين في هذه المحافظة على المقاومة على مدى السنوات نفسها.
فالسؤال الّذي تطرحونه ليس السؤال الّذي يُفترض أن يُطرح. السؤال الحقيقي هو التالي: إلى متى يستمر الحوثيون في محاربة جميع اليمنيين؟ لا يمكنهم أن يقولوا إنهم يدافعون عن اليمن واليمنيين وهم يقتلون يمنيين يوميًا!
الحوثيون لا يمثّلون سوى شريحة من الشعب. الإصلاح لا يمثّل سوى شريحة من الشعب. المؤتمر لا يمثّل سوى شريحة من الشعب. الانتقالي لا يمثّل سوى قسم من الجنوب. تعب الكثير من اليمنيين من لعبة السلطة، والبلد ينهار أمام أعينهم. الرسالة التي أسمعها من اليمنيين بسيطة جدًا: هم يريدون السلام ودولة لجميع اليمنيين. لا يريدون لا دولة قمعية ولا دولة طائفية. يريدون دولة في خدمة الشعب. لذلك إذا أردنا أن نساعد الشعب بأكمله، لا بدّ من الاستماع إلى هذه الرسالة. لا يمكن لطرف واحد أن يحكم اليمن.
إن طابع البلد المتعدد يجعل من سيطرة مجموعة واحدة على الآخرين صعبا، لا بل مستحيلًا. فقد تعوّد اليمنيون على المناقشات والتنوّع على سبيل المثال في الإعلام أو بين الأحزاب السياسية. حتى ولو كان قد فقد السياسيون مصداقيتهم أمام شريحة كبيرة من الشعب التي تطمح إلى الحصول على مستوى سياسيّ أرفع. ثقافة الحوار متأصلة في الثقافة اليمنية.
وأضيف أيضا أن مصلحة الحوثيين تتمثّل في عدم سقوط مأرب. لا يزال الأمل في المفاوضات بين الجانب الجمهوري والحوثيين ممكنا اليوم للتوصّل إلى حلّ سياسي شامل وكامل.
في حال سقوط مأرب سوف تزداد صعوبة هذا الحوار الضروريّ للسلام بين اليمنيين. يخبرني العديد من الهاشميين عن خوفهم من أن يدفعوا غدا ثمن سلوك الحوثيين العنيف والطائفي، مع أنهم لا يساندون أعمال الحوثيين الضارة. بالإضافة إلى ذلك، وكلما ازداد انغلاق الحوثيين في منطقهم الّذي يقوم على السيطرة بالقوّة، ازدادت مسؤوليتهم تجاه انعزالهم. هل هم قادرون على الاستماع إلى صوت الاعتدال؟ وحده قائدهم عبد الملك الحوثي من يمكنه اتخاذ هذا التوجّه. يمكنه أن يقرر التخلّي عن الخيار العسكري الّذي يودي بالبلاد والحوثيين معًا إلى طريق مسدود. يمكنه اختيار المفاوضات السياسية، مع الحكومة اليمنية بالتواصل مع الأمم المتحدة. يمكنه اختيار السلام بين اليمنيين والسلام بين اليمن والدول المجاورة. إلى أن يحدث ذلك، ستستمر فرنسا بمناداة جميع اطراف النزاع إلى الاحترام المطلق للقانون الدولي الإنساني، لأن حماية المدنيين واجبٌ مفروض على الجميع.
-
الحوثيون حتى الآن لم يستقبلوا المبعوث الأممي في صنعاء انتظارا لحسم معركة مأرب. يقول اليمنيون أنكم أيضا كقوى كبرى تنتظرون هذا السيناريو فيما يبدو؟
– رفض الحوثيين استقبال المبعوث الأممي الخاص في اليمن هانز غروندبرغ، في صنعاء أمرٌ غير مقبول. يدعم المجتمع الدّولي جهود المبعوث الأممي الخاص في اليمن الّذي يعمل من أجل السلام. فبهذا السلوك، أظهر الحوثيون رفضهم للحوار وبالتالي للسلام. ما يؤدي إلى عزلهم داخل اليمن وعن المشهد الدّولي. كما لو أن على العالم بأسره أن يتأقلم معهم.. يجب أن يبدأ الحوثيون بالانفتاح على العالم، وعلى الآخرين.
هذه هي النقطة التي يصعب التعامل معها في الفكر الإيديولوجي الحوثي: عدم قبول الآخر. وهذا ما يقف في وجه المصالحة الوطنية والحوار الصريح من أجل السلام. لهذا نحن ندعو الحوثيين إلى استقبال السيد غروندبرغ في صنعاء من دون أي شروط.
كما أودّ أن أشير إلى أن سلوك الحوثيين تجاه الموظفين المحليين الأميركيين غير مقبول أيضا. علاوةً على ذلك، تدين فرنسا الاعتقال التعسفي لموظفَين من الأمم المتحدة من قبل الحوثيين وتدعو إلى الافراج عنهما فورًا.
وهنا أيضا، وكما نرى في مواضيع أخرى مثل صافر، يبدو لنا أن الحوثيين لا يمكنهم التصرّف الا عبر التهديد أو العنف. لهذا السبب بالذات أعداء الحوثيين الأوائل هم الحوثيون أنفسهم. هم سجناء عقلية تقودهم نحو طريق مسدود، لأنهم منقطعون عن واقع العالم. وأنا لا زلت أعتقد أن بين الحوثيين أشخاص يستوعبون أن السبيل الّذي اختارته الجماعة هو الطريق الخاطئ. وطبعًا، هذا لا يعني أن الأطراف اليمنية الأخرى كلها من الملائكة! ولكن بغض النظر عن اللون السياسي أو عن التوجّه، أرى في كلّ الأماكن العديد من اليمنيين المستعدين للعمل معا بنيّة صافية مع جميع اليمنيين، وفي رأسهم هدف واحد: خدمة بلدهم.
-
التقيتم بقوى محلية من قبيل قائد قوات المقاومة الوطنية العميد طارق صالح، في أي سياق تأتي مثل هذه اللقاءات؟
-انا أتحدّث مع جميع الأطراف اليمنية من دون استثناء. فرنسا تقف إلى جانب الشعب اليمني وكلّ اليمنيين. وهي تدعم الحكومة اليمنية وتدعو إلى أن يعقد اليمن سلاما مع نفسه، يلتف حول القيم المشتركة المبنية على الاحترام والتسامح والعدالة لجميع اليمنيين. يندرج لقائي مع طارق صالح في إطار هذا الحوار المستمر الّذي أقيمه مع جميع اليمنيين.
زر الذهاب إلى الأعلى