دخلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإيرانية والتي تجتاح البلاد حاليا أسبوعها الثامن، من دون أن تظهر أي بوادر على نهايتها، رغم القمع الدموي الذي مارسته الحكومة. في المقابل، يراقب العالم الخارجي الوضع بقلق، في حين اتخذت بعض الدول خطوات لدعم الاحتجاجات.
لكن هل من الممكن أن يحصل المحتجون على دعم دولي يصل إلى حد محاسبة النظام الإيراني؟
ماذا يريد الإيرانيون المشاركون في الاحتجاجات؟
يسعى المتظاهرون أولا إلى إسماع صوتهم، كما يريدون إلى أن تحصل احتجاجاتهم على تغطية إخبارية من قبل وسائل الإعلام العالمية.
في المقابل، اتخذت الحكومة الإيرانية العديد من الخطوات للحد من إمكانية حدوث ذلك قدر الإمكان. على سبيل المثال، منعت المراسلين الأجانب هناك (التابعين لقنوات مثل بي بي سي وغيرها) من نقل أخبار الاحتجاجات أو تصويرها، أو حتى التقاط صور لها.
ونتيجة لذلك، فقد أصبحت ما يسمى بـ”صحافة المواطن” ونشر مقاطع فيديو للاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، الوسيلة الرئيسية لنشر الأخبار عما يحدث هناك.
لكن الحكومة تحاول منع هذا أيضا بوسائل عدة. ووفقا لمجموعة مراقبة الإنترنت NetBlocks، فخلال الأسابيع السبعة الماضية، كانت خدمة الانترنت إما متوقفة معظم الوقت، أو تتعرض لانقطاعات كبيرة متكررة.
في الوقت نفسه، اعتقلت السلطات الإيرانية 32 صحفيا، وفقا للاتحاد الدولي للصحفيين، كما تم حظر تطبيقي التواصل الاجتماعي الوحيدين الذين كانا مسموحين بهما سابقاً، إنستنغرام وواتس آب.
وتواصل شخصيات معارضة ونشطاء المجتمع المدني المطالبة بفرض مزيد من الضغط على النظام الإيراني لوقف العنف ولمحاسبته. وبحسب جماعات حقوقية، فإن أكثر من 300 شخص، بينهم 41 طفلاً على الأقل، قتلوا منذ أن بدأت الاحتجاجات.
والشهر الماضي، حثت 43 منظمة دولية عاملة في مجال حقوق الإنسان “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة على عقد جلسة طارئة بشأن الوضع في إيران، وإجراء تحقيق في حملة القمع ضد المتظاهرين هناك، واتخاذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين عنها.
وكتب الأمير رضا بهلوي، ابن الشاه محمد رضا بهلوي، آخر ملوك إيران قبل أن تطيح به الثورة الإسلامية عام 1979، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، مطالبا بإجراء تحقيقات متعددة الجنسيات في مقتل الأطفال في إيران.
كما دعا الأمير رضا، وهو شخصية بارزة من المعارضة خارج البلاد، إلى جانب شخصيات معارضة معروفة أخرى، مرارا القادة الغربيين إلى التنديد العلني بالعنف الذي تمارسه الحكومة الإيرانية.
ودعا العديد من النشطاء والمعارضين أيضا إلى طرد الدبلوماسيين الإيرانيين في الخارج، واستدعاء الدبلوماسيين الأجانب من طهران.
وتقوم شخصيات معروفة ومقيمة في الخارج مثل حامد إسماعيلون، المتحدث باسم عائلات ضحايا طائرة الركاب الأوكرانية التي أسقطتها القوات الإيرانية فوق طهران قبل عامين، والأمير رضا، ومعصومة “مسيح” علي نجاد، الإعلامية والناشطة في مجال حقوق المرأة والتي شنت حملة ضد إلزام النساء بارتداء الحجاب في إيران، منذ سنوات بمحاولات لتحريك المجتمع الدولي ضد الحكومة الإيرانية وتعميق عزلتها الدولية.
وفي هذا الإطار قدمت مسيح علي نجاد طلبا إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من أجل تعليق عضوية الاتحاد الإيراني لكرة القدم، ومنع المنتخب الإيراني من المشاركة في منافسات المونديال التي تستضيفها قطر.
من الصعب حقا القول ما إذا كان قرار حظر الفريق الوطني الإيراني ذي الشعبية الكبيرة أو “ميلي” (المنتخب الوطني باللغة الفارسية) من المشاركة في البطولة في قطر سيحظى بشعبية بين المحتجين داخل البلاد.
ويجادل بعض المتظاهرين بأن مشاركة المنتخب ستتيح للاعبين والمتظاهرين منصة دولية لنشر رسالتهم.
ومن الجدير بالإشارة هنا أن نجمي كرة القدم الإيرانية السابقين، علي كريمي وعلي دائي، من المؤيدين بقوة للاحتجاجات، كما صرح بعض لاعبي المنتخب الوطني الحالي علناً بدعمهم الاحتجاجات.
كيف ردت بعض الدول؟
في سبتمبر/أيلول، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن توجيهات لفرض مزيد من العقوبات على المسؤولين عن قمع المتظاهرين في إيران، وتخفيف القيود عن شركات التكنولوجيا الأمريكية التي تريد أن توفر للإيرانيين خدمات الإنترنت بحرية.
وعندما كتب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في تغريدة “سنعمل على عدم إبقاء الشعب الإيراني معزولا أو مغيبا”، كان رد إيلون ماسك سريعا، وهو “تفعيل ستارلينك …” في إيران، وهي شركته الخاصة بتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، ويمكن لها توفير الإنترنت للمستخدمين من دون مراقبة بتجاوز شبكات الإنترنت الأرضية.
كما قالت شركة Space X التي يملكها ماسك أيضا إنها يمكن أن تقدم خدمات الإنترنت للإيرانيين رغما عن الحكومة الإسلامية.
لكن هناك شروطا تحد من إمكانية الوصول إلى خدمة الإنترنت عن طريق ستارلينك، مثل الحاجة إلى أجهزة معينة والكلفة العالية نسبيا. ومع ذلك، إذا تحقق توفير الإنترنت في إيران بهذه الطريقة فسيكون المحتجون محصنين ضد محاولات الحكومة منع الإنترنت عنهم، كما سيكون من المستحيل على النظام ممارسة القمع من دون علم العالم الخارجي، وبعيدا عن أنظاره.
أما بالنسبة للدعم من قبل المنظمات الدولية، فإن المنظمات غير الحكومية، وخاصة تلك التي تدافع عن حقوق الإنسان فهي ناشطة بشكل خاص في دعم المحتجين في إيران، لكن الهيئات الدولية الرسمية والتي تملك الصلاحية الشرعية لمساءلة الحكومة الإيرانية، مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فلم تتجاوز ردة فعلها الإعراب عن القلق إزاء ما يحصل في بيانات وتصريحات.
فهذه المنظمات مسيطر عليها من قبل دول تتصرف بناء على أولويات سياستها الخارجية. ويقول نشطاء إن حقوق الإنسان بالنسبة للعديد من الدول ليست بالضرورة شأنا بتمتع بالأهمية القصوى.
أما بالنسبة للدول غير الغربية، فمعظم هذه الدول تضع في الغالب إما الاقتصاد أو الأمن على رأس أولوياتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بدولة شرق أوسطية غنية بالنفط وذات حكم ديني مثل إيران.
وترتبط الصين وروسيا، القوتان العظمتان الوحيدتان غير الغربيتين، بعلاقات ودية مع طهران. وإضافة إلى ذلك، فليس لأي منهما علاقات جيدة مع المنظمات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وقد تعرضتا لانتقادات من قبل هذه المنظمات بسبب سوء سجلات حقوق الإنسان الخاصة بكل منهما، وهما تدينان باستمرار جهود هذه المنظمات.
وهناك جانب آخر مهم أيضا بالنسبة لموقف الدول الغربية، إذ تعتبر هذه الدول قضايا أخرى، ولا سيما برنامج إيران النووي وتدخلها مؤخرا في حرب أوكرانيا، مصدرا لقلق كبير. ورغم تعثر المفاوضات مع إيران لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 قبل اندلاع موجة الاحتجاجات الحالية، فلا يزال الجانبان يصران على أن المحادثات لم تصل إلى مرحلة الانهيار بعد، وأن إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي لا تزال موجودة.
وبالتالي فإن دعم هذه الدول للمتظاهرين في إيران يمكن له بسهولة أن يعرض احتمال التوصل إلى الاتفاق النووي إلى الخطر.
لكن ردود الفعل الشعبية في الدول الغربية والتي أيدت الاحتجاجات الإيرانية بقوة، شكلت تحديا بالنسبة للحكومات في هذه الدول. حتى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وصف قراره بعدم دعم المتظاهرين الإيرانيين عام 2009 بالخطأ، الذي تقول إدارة بايدن إنها لن تكرره.
وحتى الآن، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا عقوبات على مسؤولين ومنظمات إيرانية متهمة بالمشاركة في حملة قمع الاحتجاجات. ومع ذلك، فإن جميع الإجراءات التي اتخذها الغرب محسوبة بعناية للحيولولة دون استعداء طهران وإبقاء النافذة الدبلوماسية مفتوحة.
وبناء على ذلك، فإن فرص تلبية مطالبة المحتجين الإيرانيين بقطع الدول الغربية علاقاتها مع الحكومة الإيرانية تظل ضئيلة