مانشيت

“التحويلات المالية المنسية” تفضح فساد القطاع المصرفي في اليمن

صالح البيضاني

فضحت قضية “التحويلات المالية المنسية” فساد القطاع المصرفي في اليمن لاسيما في مناطق سيطرة الحوثيين وهو ما يعمق مآسي اليمنيين الذين يعولون على هذه التحويلات لتسيير شؤونهم اليومية.

 

ويستغل الحوثويون، وفق مراقبين، هذه التحويلات لجني الأموال عبر المضاربة.

 

فجّرت فضيحة التحويلات المالية في شركات الصرافة اليمنية التي باتت تعرف بالتحويلات المنسية ردود أفعال متصاعدة في القطاع المصري، كما كشفت عن اتساع نطاق الفساد في هذا القطاع وتراجع ثقة اليمنيين به.

 

وبدأت الأزمة مع قيام رئيس ما يعرف بالنقابة الوطنية للشبكات أحمد العليمي بتقديم قائمة أولية بالآلاف من التحويلات المالية التي تقدر بالمليارات من الريالات بالعملة اليمنية التي لم يستلمها أصحابها، لأسباب عديدة في مقدمتها، عدم إشعارهم من قبل شركات الصرافة بوصول تحويلات مالية داخلية وخارجية.

 

وشرع العليمي في نشر القوائم بعد فراره من مناطق سيطرة الحوثيين، إلى خارج اليمن وقيام الميليشيات الحوثية بمداهمة منزله وشركته واعتقال عدد من العاملين معه، في مؤشر على تورط الحوثيين في سياسة نهب التحويلات المالية.

 

وأثارت الفضيحة ردود فعل رسمية وشعبية واسعة على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ما دفع الحكومة الشرعية وحكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا لإصدار تعميمات رسمية حول طريقة التعاطي مع هذه الأزمة، في حين أعلنت عدد من شركات الصرافة عن البدء بنشر قوائم التحويلات غير المستلمة.

 

ووجه البنك المركزي اليمني التابع للحوثيين في صنعاء شركات الصرافة بإشعار مرسل الحوالة والمستفيد منها (المستلم) عبر إرسال رسائل “sms” إليهم بشكل دوري لإبلاغهم بالحضور لاستلام تحويلاتهم.

 

ونص التعميم على الحق للمرسل استعادة مبلغ الحوالة في حال ما زالت غير مدفوعة للمستفيد (المستلم)، بموجب طلب المرسل، ووثائق إثبات الهوية والإرسال.

 

وأكد أنه سيتم تكليف مفتشي البنك للتأكد من التزام شركات الصرافة بتعليمات البنك، تحت طائلة المساءلة القانونية. وألزم البنك شركات الصرافة بموافاته بكشوفات تفصيلية لكافة بيانات التحويلات غير المدفوعة، وتقديم ما يؤكد قيام الشركات بإرسال رسائل لكافة أطراف التحويلات غير المدفوعة.

 

من جهته كشف البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، إلى أنه قد تمت تغطية موضوع التحويلات المالية غير المستلمة من قبل المستفيدين مبكراً من خلال ضوابط تنظيمية لعمل شبكات التحويلات.

 

ولفت إلى أن تلك التعليمات تستوجب قيام شبكة التحويلات باتخاذ الإجراءات اللازمة كالاتصال الهاتفي والرسائل النصية وغيرها من الإجراءات التي تكفل عدم ضياع حقوق العملاء، والالتزام بتسليم تلك التحويلات للمستفيدين في أيّ وقت لاحق.

 

وأشار إلى أنه خلال الفترة المقبلة سيتم إطلاق الشبكة الموحدة للتحويلات، ويلي ذلك تحويل كافة التحويلات غير المدفوعة لدى شبكات التحويلات، إلى الشبكة الموحدة وإيداع مقابلها من النقد إلى بنوك التسوية.

 

وقالت جمعية الصرافين اليمنيين أن “جميع أرصدة تلك التحويلات غير المدفوعة مودعة من قبل شبكات التحويل المالية في حسابات البنوك المحلية ومخصصة لهذا الشأن وذلك وفق تعليمات البنك المركزي، واعتبرت الجمعية أن البنك ألزم شبكات التحويل المالية “ضرورة إشعار كل من مرسل الحوالة والمستفيد منها عبر إرسال رسائل هاتف نصية”.

 

وفي تصريح لـ”العرب” اعتبر عبدالحميد المساجدي، رئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية، مشكلة التصرف في أموال التحويلات غير المدفوعة أحد مظاهر الفوضى التي أسست لها جماعة الحوثي في قطاع الصرافة ابتداء من سرقة أرصدة البنوك واستهدافها، حتى إيصالها إلى حالة إفلاس غير معلنة مقابل دعم إنشاء شركات الصرافة حتى وإن كانت لم تستكمل إجراءات التأسيس، أو بدء مزاولة النشاط ولها في هذه الخطوة أهداف تتعلق بأن هذه الشركات لا تلتزم بإجراءات ومعايير الامتثال وبالتالي فإنها بيئة خصبة لعمليات تمويل الإرهاب وتلقي الدعم من الخارج وغسيل الأموال المنهوبة وشرعنتها.

 

وأشار المساجدي إلى أن أكثر من1300 شركة صرافة ظلت تعمل أغلبها من مناطق الحوثي دون أيّ قانون خاص ينظم عملها، باستثناء التعاميم الصادرة عن البنك المركزي، وفي ظل الانقسام الحاصل في السياسة النقدية والبنك المركزي، وتراجع دور البنوك فإن هذه الشركات وجدت ثغرة كبيرة للعبث في أموال المواطنين، مع قبول هذه الشركات على فتح حسابات للمواطنين، والاحتفاظ بمراكز مالية كبيرة، جعلها تلعب دورا سلبيا في المضاربة بقيمة العملة الوطنية.

 

ولفت إلى أن من بين التداعيات الكارثية لإنشاء هذه الشركات العاملة في مجال الصرافة وانقسام السياسة النقدية، أن هذه الشركات تعاملت بعرف قائم على مصادرة التحويلات المالية غير المدفوعة والتي مضى على إرسالها شهران، دون أيّ وجه أو تشريع يجيز لها هذه العملية، بينما كانت هذه التحويلات قبل انقلاب الحوثيين تظل لأكثر من عشرين سنة لدى البنوك والمصارف، ولا يتم التصرف بها حتى ظهرت هذه الطفيليات الداخلة على قطاع الصيرفة.

 

وأضاف “هناك أكثر من 180 ألف عملية تحويل يوميا بمعدل 5.5 مليون عملية تحويل تمر عبر ثلاث من شركات تحويل الأموال في اليمن وجميعها مراكزها الرئيسية في مناطق الحوثي، فيما تقدر قيمة هذه التحويلات بالمتوسط أكثر من مائة مليار ريال يمني، وفي الغالب فإن نحو 5 في المئة من هذه التحويلات عبارة عن تحويلات مجمدة بما يؤكد أن أكثر من 60 مليار ريال سنويا عبارة عن أموال مجمدة يتم التلاعب بها واستغلالها في عملية المضاربة أو توفير سيولة نقدية لدى الهوامير المتحكمة في سوق الصرافة”.

 

وحول الحلول المقترحة لمعالجة هذه الأزمة، تابع المساجدي “من الضرورة أن يتم تنظيم عمل شبكات التحويلات المالية، من جهة عدم احتفاظها بمراكز مالية كبيرة، وأن يتم الإشراف على هذا القرار بشكل دوري قصير، ناهيك عن تنبيه طرفي التحويل بحالة الحوالة باستمرار، وفي كل الأحوال عدم التصرف في مبالغ التحويلات، بأي شكل من الأشكال، مع ضرورة التدخل الإيجابي من قبل البنك المركزي اليمني، للإشراف والرقابة ووضع حد لهذا العبث، مع تعزيز دور القطاع المصرفي الرسمي، وإعادة الكتلة النقدية الأكبر للقطاع البنكي والمصرفي”.

 

وحول خلفيات أزمة التحويلات المالية، قال الصحافي اليمني المتخصص في الشأن الاقتصادي، ماجد الداعري أن “التحويلات المنسية” هي تسمية من قبل شركات الصرافة المتورطة لمحاولة التخفيف وتبرير فضيحة سرقة تحويلات عملاء بطرق مختلفة وأخرى عبارة عن عمليات غسيل وتهريب أموال تواطأت أغلب شبكات ومنشآت الصرافة باليمن في محاولة تمريرها إلى الداخل.

 

وأشار الداعري في تصريح لـ”العرب” إلى أنه في نتيجة تطورات الأوضاع وتداعيات الحرب في اليمن وغياب الرقابة والإشراف والتفتيش على تلك الشبكات وانقسام القطاع المصرفي والبنك المركزي فقد فضلت أغلب شبكات الصرافة تحتفظ بتلك الأموال وتشغلها في عملياتها المصرفية وجرائم المضاربة بالعملة المحلية لتحقيق فوارق صرف بالمليارات حيث تعتبر اليوم المصدر الأساسي لتمويل تلك الشركات وتزايد شركات الصرافة المتوالدة أكثر من البقالات باليمن إضافة إلى انتعاش الشركات وتكوين رؤوس أموال هائلة نتيجة التلاعب والسمسرة بتلك التحويلات التي وصلت في شركة “الامتياز” حديثة الإنشاء فقط إلى ستة مليارات لعدد 60 حوالة فقط تم الكشف عنها.

 

وتابع “ينبغي على البنك المركزي اليمني بعدن أن يلزم كل شركات ومنشآت وحوانيت الصرافة بالكشف عن التحويلات لديها وتسليم الشخصية منها إلى المستفيدين منها أو أقرب الناس إليهم بالأسرة في حال موتهم أو سفرهم وسجنهم وعدم إمكانية تسلم تحويلاتهم، ناهيك عن إجبار أصحابها بتسليم المجهولة منها وذات المبالغ الكبيرة إلى حساب البنك المركزي اليمني وفق الإجراءات التنظيمية والقانونية خاصة بعد انتهاء فترة التذكير بها وإرسال الرسائل والتواصل مع المستفيدين منها، وسحب ترخيص أيّ شبكة أو منشأة صرافة لا تقبل بالكشف عن تحويلاتها المتعثرة أو الخاملة منذ فترة ما قبل أحداث فوضى 2011، وللعلم فإن إجمالي تلك التحويلات ستكفي لإنعاش الاقتصاد اليمني المتهالك وإعادة الاستقرار والاعتبار لقيمة العملة المحلية بكل تأكيد، كونها ستفوق 5 مليارات دولار التي تحتاجها البلد اليوم لتجاوز أبرز مشاكلها الاقتصادية وتحدياتها الوطنية”.

 

المصدر:الرصيف برس

Exit mobile version