في حدث لم يُشهد مثله في التاريخ العربي، طائرة تابعة لشركة “إلعال” الإسرائيلية انطلقت من مطار اللد “بن غوريون” ظهر الاثنين في رحلتها الرسمية الأولى بعد إعلان اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، وفي مفارقة بالغة أطلقت إسرائيل على الطائرة اسم “كريات غات” الاسم ذو الدلالة “المأساوية” في نكبة الفلسطينيين.
خلال الساعات الأخيرة أصبحت الطائرة محطّ اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، فيما عبر الفلسطينيون عن استيائهم من التقدم المتسارع في العلاقات الإسرائيلية الإمارتية، ومن الاسم الذي أطلق على طائرة الرحلة الأولى.
ووفقا لما ذكره موقع صحيفة يديعوت أحرونوت بالإنجليزية، فإن شركة الطيران الإسرائيلية اختارت طائرة “بوينغ 737″، لأنها مجهزة بنظام تشويش متقدم محمول جوا، وحسب الموقع فقد طُلب من شركة “إلعال” تشغيل طائرة مجهزة بنظام الحماية المسمى “درع السماء” (Sky shield)، الذي تصنعه شركة صناعات الطيران والفضاء الإسرائيلية.
أكبر المستعمرات
أمّا اسم “كريات غات” الذي أُطلق على الطائرة، فهو يدل على واحدة من أكبر المستعمرات الإسرائيلية التي أقيمت في أعقاب النكبة على أنقاض بلدتي عراق المنشية والفالوجة الفلسطينيتين الواقعتين (شمال غزة).
وتناقل نشطاء فلسطينيون روايات عن مقاومة عراق المنشية والفالوجة، التي شاركت في دعمها حاميات مصرية شارك فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بنفسه، وكذلك حاميات قاومت فيها كتائب من الإخوان المسلمين.
وحسب المؤرخ مصطفى كبها في “دفاتر النكبة”، فقد استشهد على أرض البلدتين أكثر من 100 فلسطيني وعربي قبل سقوطها في يد العصابات الصهيونية كآخر القلاع، التي صمدت بعد شهور طويلة من بدء حرب النكبة عام 1948.
وحملت الرحلة الإسرائيلية إلى أبو ظبي رقم 971، وهو رمز الاتصال الدولي إلى الإمارات، بينما ستحمل رحلة الإياب رقم 972، وهو الرمز الدولي للاتصال بإسرائيل، وعلى مقدمة الطائرة كتبت الشركة كلمة “سلام” باللغات العبرية والإنجليزية والعربية.
الرحلة 971
واستقل الطائرة أعضاء من وفدين إسرائيلي وأميركي لإجراء مباحثات مع المسؤولين الإماراتيين، وقد سمحت السلطات السعودية بمرورها عبر مجالها الجوي.
وقبيل بدء الرحلة، رحب قائد الطائرة بركابها باللغتين العربية والإنجليزية قائلا “أهلا وسهلا بكم في الرحلة رقم 971 المتجهة إلى أبو ظبي”.
وقبيل إقلاعها من مطار بن غوريون، قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات إنه فخور بترؤس البعثة الإسرائيلية، وإن الهدف من الزيارة هو بلورة خطة عمل شاملة لدفع العلاقات الثنائية قدما في مجالات عديدة.
ومن جانبه، قال مستشار الرئيس الأميركي ورئيس الوفد الأميركي في الرحلة جاريد كوشنر “إنها رحلة تاريخية”، ودعا إلى “عدم ترك الماضي يملي علينا المستقبل”.
من ناحيته، خاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتناوب ووزير الجيش بيني غانتس أعضاء الوفد الإسرائيلي قائلا “إننا في لحظة تاريخية هامة وفاصلة، يكمن في طياتها أمل حقيقي في السلام”. وأضاف “أن لإسرائيل والإمارات إمكانيات عديدة للتعاون في مجالات الدبلوماسيات والزراعة والعلم والطب والثقافة والمواصلات”.
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في بيان مشترك مع كوشنر، عقب وصول الوفد الأميركي إلى “إسرائيل” الأحد، استعدادا لمشاركته في الرحلة “غدا ستكونون على متن أول رحلة تجارية إلى الإمارات، وهي رحلة نتأثر بها جميعا، وستكون هناك طفرة اقتصادية، ولن نفهم جميعا كيف لم يحدث هذا من قبل”.
وكان نتنياهو قد أشار أيضا إلى رحلاته السابقة إلى عدة دول عربية قائلا “قبل 3 سنوات زرت عُمان، وفي العام الماضي كنت في تشاد، وقبل نحو 6 أشهر في السودان، وهذا ليس سوى القليل من الخطوات المنشورة مع الدول العربية التي تريد التطبيع معنا”.
بداية عهد النكبة
الباحث الفلسطيني في مركز مسارات للدراسات السياسية رازي نابلسي علق على الرحلة، قائلا إنه حاول مع استعداد الطائرة للإقلاع إلى أبو ظبي إحصاء منافع “السلام” بين إسرائيل والإمارات التي ابتغاها الطرفان، وقال إن الأمر سيطال تشكيل حلف حربي ضد إيران، وهذا أساس الاتفاق، لكنه وضعه أيضا في سياق دفع المعركة الانتخابية الأميركية.
يقول نابلسي “صفقة طائرات إف-35” هي أحد منطلقات اتفاق السلام أيضا بالإضافة إلى اتفاقيات شراكة أمنية، وهو ما سيترك أثرا في الحرب التي تشارك فيها الإمارات على اليمن ودول عربية أخرى، وفي العدوان الإسرائيلي على غزة، مضيفا أن هذا الاتفاق سيخلف إفقارا للشعوب العربية وقتلا لطموحاتها.
رغم ذلك، يعرج نابلسي على اسم الطائرة “كريات غات”، قائلا “بالإضافة إلى المنطقة الصناعية الإسرائيلية التي أقيمت على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة، فإن “كريات غات” أصبحت مصدرا للأمراض الفتاكة بالفلسطينيين في النقب (جنوب فلسطين).
يقول نابلسي “فوق هذا، بكل وقاحة، يكتبون كلمة (سلام) على طائرة أعلنوا أن عليها نظام حماية من الصواريخ، عملته شركة إسرائيليّة، أغلب الظن أنه رُكب لكي يبيعوه للإمارات لتحمي طيّاراتها فوق اليمن، بالوقت الذي ترمي طائراتها حمما فوق رؤوس الناس والسكّان باليمن وليبيا، فيما تقصف طائرات إسرائيل مجموعات شباب يعيشون بأصغر بقعة محاصرة من أكثر من عقد من الزمن” في إشارة إلى قطاع غزة.
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، وفي مستهل جلسة حكومته الأسبوعية برام الله، عبر عن ألمه من مشهد هبوط الطائرة الإسرائيلية في الإمارات. وقال إنه “خرق واضح ومفضوح للموقف العربي المتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي”.
وعلى صفحته بتويتر، كتب الناشط الفلسطيني القسام بدير معلقا على تسمية الطائرة، مخاطبا “من طبع ومن سيطبّع” كمال قال “صمدت الفالوجة 6 شهور وسُلّمت ضمن اتفاق مع الجانب المصري، ونبذ الصهاينة بعدها الاتفاق فاحتُلّت، وكانت آخر القرى التي شُرّد أهلها في النكبة”.
وغرد الناشط الإماراتي المعارض حمد الشامي على صفحته في تويتر قائلا “بالنسبة لي كإماراتي، اليوم هو بداية عهد النكبة “.