أتذكرها بالتوقيت، تلك المقابلة، التي أنتشرت قبل إنطلاق كأس العالم 2018, للنجم البلجيكي، روميلو لوكاكو، والتي تحدث فيها عن طفولته الفقيرة، الفقيرة جداً، إلى حد أنه كان يعيش بمنزل مهترىء تعج فيه الفئران، ويقضي أيامة بالظلام، لعجزهم عن دفع تكاليف الكهرباء، هذا قبل أن يلمع نجماً يعرفه العالم أجمع.
وبقدر ما كانت تلك القصة موجعة، كانت ملهمة جداً .
منذ تلك اللحظة، بقيت أفكر في لوكاكو، الأسمراني الذي كلما ركزت في ملامحه الحادة، ستجد جدية رجل لا يضحك، وتلك الإنحناءة الطفيفة على ظهره، توحي بشخص دؤوب، وبشدة.
ورغم أن هذا الأمر يعد طبيعي جداً، فلا يمكن للشخص، مهما تكن موهبته، أن يحصل على المجد، دون إجتهاد. لكن، السؤال الذي يدور في رأسي؛ ماذا لو بقي في أفريقيا، حتى لو كرس نفس الجهد، ما الذي يمكن أن يكونه ؟ صحيح أن العيش في بلجيكا ساعد لوكاكو، في بناء عقلية مختلفة، أستطاع فيها تجاوز بنية جسدية كانت قد تكون عرضة للتنمر، والأعمال الشاقة في بلده الأصل، لتصنع منه لاعباً بارعاً، كما ساعدت العقلية الاوربية الكثير من الأفارقه، والعرب.
لكن المشكلة التي ستنتج عن ذلك، هو حصر النجاح في حدود جغرافية معينة، وهذا مفزع للشباب الطامح، والذي يعيش في بلدان اخرى، لأنه يضع الإنتقال، والهجرة شرط النجاح ثمة نماذج كثيرة، مثلاً، الفنانة الكولومبية، شاكيرا، والتي تعود لأصول لبنانية، ولادتها في قارة أخرى، وانتقالها فيما بعد لأمريكا، هو السبب في وصولها إلى العالمية، وإلى هذه الشهرة الواسعة، بينما لو لم يهاجر والدها، وأُنجبت في لبنان، لكانت، رُبما، وفي أفضل الأحوال، مجرد فنانة عادية، وبطموح شرقي بسيط، لن تتعدى به الحدود العربية .
لكن، في هذه الحالات، والتي أصبحت لا حصر لها في العالم، هناك مشكلة تلاحق الشخص، عن إنتمائه الحقيقي، وهل ينسب نفسه للبلد التي يعيش فيها، أم للجذور التي أتى منها، هنا، قد يستطيع التوفيق، متجاوزاً اي إختزال جغرافي، وقد يفشل في ذلك، ويسقط في فخ العصبية.
لكنه في كلا الحالتين، لن ينجو من السؤال عن إنتمائه ؟ شخصياً، لدي تجربة بسيطة، في مراهقتي، تعمدت أن أخفي لقبي، وعكس أغلب أسرتي، حذفت السنوسي من إسمي، كي لا أتعرض لأسئلة عن سلالتي التي أنتقلت من المغرب العربي، ولا أشعر بإزدواجية الهوية.
لكنني كبرت، لأعرف أن الوطن ليس بالضرورة أرض ولادتك، ولا منطقة أنتقل منها أجدادك، بل ما تجد فيه ذاتك، أياً كان، أو كما يقول الشاعر، محمود درويش، الذي عاش مشرداً بين العواصم: “وطني قصيدتي الجديدة”