تقارير

الحوثيون والقبيلة اليمنية.. قصة استعباد !

مانشيت-متابعات:

ليس للحوثي قيمة أو وجود دون دعم وإسناد القبائل اليمنية لتحركاته المسلحة، سواء داخل اليمن أو خارجه. حقيقة أثبتتها الأيام، ويدركها الحوثي جيداً. لكن، بالمقابل، ما الذي قدمه الحوثي للقبائل اليمنية؟ ألم يستخدم الحوثي أساليب الترغيب والترهيب لإجبار مشائخ وقبائل اليمن على تجنيد أبنائهم للقتال في صفوف الحركة الحوثية الموالية لإيران؟ ألم يخسر مشائخ القبائل مكانتهم الاجتماعية عقب الانقلاب الحوثي؟ وكيف استطاع الحوثي إبعاد القبيلة اليمنية عن الدور الذي كانت تمارسه في حماية وحفظ النظام الجمهوري، منذ ثورة 26 سبتمبر 1962؟

في هذا التقرير، نتتبع خط سير إضعاف الحوثي للقبيلة في اليمن.

فرّق تسُد

شكل أبناء القبائل القاعدة العريضة للحوثيين، والعمود الرئيس لتشكيلاتهم المقاتلة، ومنذ نشأت الحركة الحوثية سعى الحوثي الى استقطاب أبناء القبائل في محافظة “صعدة”  أولاً لتأييده والقتال في صفوفه ضد الدولة اليمنية، من خلال إقناع المشائخ وزعماء القبائل بأنه لا يستهدفهم وإنما يستهدف الجيش اليمني.

 ومن خلال شراء ولاءات المشائخ، وفي بعض الأحيان كان الحوثيون يستخدمون أساليب الترهيب، مثل اختطاف أبناء المشائخ كرهائن، ووفقاً لذلك التكتيك، قامت الجماعة بالسيطرة على مناطق “صعدة” المختلفة.

وبحسب دراسة صادرة عن “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، فإن “الحوثيين حرصوا، منذ البدء، في صراعهم مع القبائل، على خطاب ذرائعي تفكيكي، مستفيدين من النزاعات البينية للقبائل، ليستفردوا بكل قبيلة أو قوة قبلية أو أجنحة قبلية، على حدة، عاملين بكل ما لديهم على تحاشي توحد خصومهم ضدهم. وعلى إثر ذلك، أخضعت جماعة الحوثي قبائل صعدة لهيمنتها، وساعدها على ذلك التنظيم والاحترافية والهوية الحربية أمام ميل القبائل للسلام”.

ولفتت الدراسة إلى العوامل التي ساعدت الحوثي على كسب القبيلة اليمنية، منها “تمسك الحوثيين بتوظيف الثقافة القبلية، وإبرازها بدقة، من خلال استخدام منظومة العرف القبلي وأحكامه وسلوكياته، مثل الهجر والتحكيم والنكف ، ويتجاوز ذلك إلى استخدام فنون القبيلة وأدبياتها، مثل رقصة البرع والزامل، والزي الشعبي القبلي”.

وفي الوقت ذاته، لم يكن الحوثي يحظى بتأييد مطلق من القبائل، بل على العكس دخل مسلحوه في حرب ضروس مع قبائل “العصيمات”، وهي إحدى قبائل “حاشد” السبعة. استعمل المقاتلون الحوثيون القنابل اليدوية والأسلحة الخفيفة، في مختلف قرى ومناطق محافظة صعدة، وانتهت الحرب الأولى عام 2004، بمصرع “حسين بدر الدين الحوثي”، زعيم الحوثيين آنذاك.

وفي العام 2010، استثمر الحوثيون الصراع القائم بين قبائل “العصيمات” وقبائل “سفيان”، ليقوموا بالاعتداء على قبيلة الشيخ “صغير بن عزيز”، طيلة 4 أشهر، حينها وقفت الدولة عاجزة عن نصرة أحد أهم حلفائها دون إبداء أي سبب، ليجد “بن عزيز” نفسه يقاتل وحيداً حتى أصيب بجروح، ويُهزم.

ما بين العام 2011 و2014، اغتنم الحوثيون فرصة الاضطرابات السياسية التي أدت إلى ضعف الجيش اليمني وقوات الأمن، ليستولوا على مناطق ومحافظات إضافية قرب صعدة، بما فيها الجوف وحجة.

وفي العام 2014، اندلعت مواجهات عنيفة بين مسلحي “الحوثي” وقبائل “حاشد” في “عمران”، وتحديداً في “الخمري”، مسقط رأس الشيخ “عبدالله بن حسين الأحمر”، واستطاع الحوثي هزيمة أبناء الأحمر، وهرب حسين الأحمر إلى السعودية، قبل أن يلحق به إخوانه، هرباً من الحوثيين. وبعد سيطرة الحوثيين على عمران، اتجهوا نحو العاصمة صنعاء، حينها وقعت معارك عنيفة بين قبائل “همدان” ومسلحي “الحوثي”، وانتهت بهزيمة القبائل، وحينما شاهدت قبائل طوق صنعاء تخاذل الجيش اليمني في مواجهة الحوثيين، وتسليمه لهم العتاد العسكري، وقفت القبائل على الحياد، ولم تدخل في اشتباكات مسلحة مع الحوثيين.

واستمر الحوثيون نحو طريقهم للاستيلاء على محافظات ذات تكتل قبلي، كـ”حجة والمحويت وذمار”، دون أية مواجهة، وفي محافظات “البيضاء وإب وتعز”، واجه الحوثيون رفضاً من قبائل “رداع، ويريم، والرضمة، وبعدان، وشرعب”، لكن الحوثي تمكن من إحكام قبضته على قبائل تلك المناطق، بعد معارك دموية. وعقب اغتيالهم الرئيس الراحل “علي عبدالله صالح”، أخضع الحوثيون قبائل “حاشد، همدان، بلاد الروس، سنحان، بكيل، خولان، بني حشيش، أرحب، وبني الحارث”، والتي يُطلق على تسميتها “قبائل أطراف صنعاء”، أو “طوق صنعاء”، بقوة السلاح.

حوثنة القبيلة

كان من ضمن الطرق والأساليب التي انتهجها الحوثيون لإضعاف القبائل، تهميش مشائخ القبائل الكبيرة، والدفع بأشخاص آخرين ليس لهم وزن قبلي، لكنهم محسوبون عليهم، ويدينون بالولاء والطاعة لزعيمهم، ولأجل ذلك أسس الحوثيون في مدينة صعدة، العام 2013، “مجلس التلاحم الشعبي القبلي”، وعينوا “ضيف الله رسام”، المنتمي لمنطقة “حيدان” بمحافظة صعدة، رئيساً للمجلس، كما عينوا أعضاء للمجلس في كل المناطق القبلية في البلاد.

وأوكلت إلى “مجلس التلاحم القبلي”، مهام عديدة، منها صياغة وثيقة “الشرف القبلي”، عام 2015، وهي وثيقة تجيز للحوثيين إباحة دم معارضيهم ومصادرة ممتلكاتهم، وتفعيل دور القبيلة في الدفاع عن الحوثيين، وأصر الحوثيون على توقيع أبناء القبائل عليها، وهو الأمر الذي نفذه أعضاء “مجلس التلاحم”، خلال الفترة 2015-2018.


ولم يكتفِ الحوثيون بنشاطات “مجلس التلاحم القبلي”، التي تستغل القبيلة، ففي أواخر أكتوبر من العام الفائت، أصدر رئيس ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى”، مهدي المشاط، قراراً بإعادة تشكيل مصلحة شؤون القبائل، وتحويلها إلى هيئة تابعة للجماعة. ونص القرار الذي أصدره المشاط، على “جعل الهيئة الخاصة بالقبائل مرتبطة مباشرة به”، في سياق محاولة الجماعة الحوثية للسيطرة على المكونات القبلية، وتنصيب شيوخ القبائل الموالين لها في مفاصل الهيئة الجديدة، بما يضمن لها تسخيرهم لحشد أتباعهم إلى جبهات القتال.

تصفية القبيلة

منذ بدء تنفيذ مخططهم للسيطرة على اليمن، تعمد الحوثيون إهانة القبائل من  خلال استهداف رموزهم وشيوخهم، وعمل الحوثيون على تفجير عدد من منازل الشيوخ المناوئين لهم، كمنزل الشيخ علي حسين المنبهي، في محافظة صعدة، ومنزل الشيخ صغير بن عزيز، في محافظة عمران، عام 2010، وفي 2014 فجر الحوثيون منازل “آل الأحمر” في عمران، ومنزل الشيخ علي بدير في “يريم”، ومنزل الشيخ عبدالواحد الدعام في “الرضمة”، ومنزل الشيخ علي قعشة في مدينة إب.

وفي العام 2015، فجر الحوثيون منزل الشيخ معاذ الجمال بمحافظه إب، ومنزل الشيخ صالح بن فريد العولقي بمحافظة شبوة. وعقب قتلهم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، عام 2017، فجر الحوثيون منزل الشيخ أكرم الزرقة بمحافظة حجة، ومنزل الشيخ مبخوت المشرقي في “عمران”. وفي 2018، فجر الحوثيون منزل الشيخ عبدالوهاب معوضة في “عتمة”، وعام 2019، فجروا منزل الشيخ عبدالجليل الحذيفي بمديرية “الحشا”، ومنزل الشيخ علي أحمد المقدشي في “ذمار”، ومنزل الشيخ صالح سودة في “قفلة عذر”.


وشهدت المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، شمال اليمن، تصفيات جسدية لعدد من الشيوخ والوجهاء القبليين، بعضهم كان حليفاً للجماعة،  مثل الشيخ خالد جمعان، والشيخ سلطان الوروري، الذي وجدت جثته ملقاة على قارعة الطريق في محافظة عمران، وبعدها بأيام قُتل محمد الشتوي، أحد شيوخ المحافظة، وقتل الحوثيون الشيخ أحمد السكني، وفي محافظة إب، قتل الحوثيون الشيخ عبدالقادر سفيان، وفي محافظة حجة، قتل الحوثيون رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام بمديرية كشر، الشيخ محمد حمود العمري، ونجله، داخل بيته.


ومن لم يسلم من شيوخ القبائل اليمنية، من القتل، لا يسلم من الاعتقالات، وهو ما حدث في صنعاء حينما اعتقل الحوثيون عدداً من مشائخ قبيلة “همدان”، العام 2016.


وكان الحوثيون اعتدوا، في مارس 2018، على الشيخ محسن المقداد، شيخ قبائل “آنس” في محافظة “ذمار” ، وصادروا أراضيه، وفرضوا عليه حصاراً مسلحاً، وهددوه بالقتل والتصفية. وفي ديسمبر من العام الماضي، اقتحم القيادي الحوثي أبو علي الحاكم، منزل الشيخ مجاهد القهالي، واعتدى عليه، وهدده بالقتل وتفجير بيته بمحافظة عمران، وانتهت الواقعة بتحكيم قبلي للقهالي من قبل عضو ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” محمد علي الحوثي.

انتفاضات قبلية

كانت القبائل الجنوبية متصدية لمسلحي الحوثي، حينما حاول الحوثي غزو مناطق في الجنوب اليمني، وكان لقبائل “العوالق” و”بني هلال” في “شبوة” وقبائل “الصبيحة” في “لحج”، وقبائل “يافع”، دور كبير في دحر مسلحي الحوثي، كما أن لقبائل محافظة البيضاء، مواقف لافتة في تكبيد الحوثيين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد العسكري، خصوصاً في مديرية “ذي ناعم”، ومدينة رداع. وفي محافظة الحديدة، تتصدى قبائل”الزرانيق” للانتهاكات الحوثية، بشكل متقطع بين الحين والآخر، أما قبائل “مأرب والجوف” فماتزال تقاوم الحوثيين، وتمنعهم من السيطرة الكاملة على محافظتهم حتى يومنا هذا.


وفي الآونة الأخيرة، وقعت انتفاضات قبلية ضد مسلحي الحوثي في مناطق “حجور والعود والحشا”. وكان الحوثيون يشنون هجوماً عنيفاً على هذه القبائل، بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وصولاً إلى الصواريخ الباليستية. وانتهت تلك الانتفاضات بالفشل، لأسباب تتعلق بخذلان القوات التابعة للحكومة الشرعية، لهم.


*المصدر:المدونة اليمنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق