مانشيتات

زنزانة بلا سماء

عبدالحميد الكمالي

أننا كجيل شباب وربما القادمون ليصبحوا شباب ذات يوم إذا ما نجو من الحرب والصواريخ والرصاص الطائش والأوبئة والموت المتسلل إلينا مع ذرات الهواء، سيكتشفون الصدمة بعدما أن نكون قد تعايشنا معها ، صدمة أننا نعيش هكذا ببساطة ، تلك الصدمة التي صحوت قبل أيام مع طنين في الأذن الوسطى وإلتهاب في الجيوب الأنفية التي تمنعني من التركيز في خبر مفاده ( تبادل أسرى ).
وبما أننا في أكتوبر تتذكر كل الحروب القديمة عن الأسرى فربما الخبر يتحدث عن تبادل أسرى في حرب أكتوبر بين مصر والعرب وبين إسرائيل ، تحاول قراءة بقية الخبر ، لتجد أن الأسرى الذين تم تبادلهم يمنيين ، إحباط يصيبك لم تعيشه من طفولتك ، وتكون العبارة أوضح أن مؤتمر يقام في جنيف ليتم تبادل أسرى يمنيين بأسرى يمنيين ، تشعر أن ثمة خطأ في الواقع خطأ سرق منا هويتنا ، أسرى وجميعهم يفتحون ذات المذياع لسماع النشيد الوطني ذاته ، أسرى ويحتفلون بسبتمبر وأكتوبر سوياً ، أسرى وهم يشجعون منتخبنا لكرة القدم سوياً ، ويتبادلون قصائد البردوني ويفخرون به ، أسرى وهم من تربة واحدة ومن أرض واحدة ومن هوية واحدة ومن سارية علم واحدة بثلاثة ألوان.
تشعر أن جسدك منهك والطنين في أذنك اليمنى قد لا ينتقل للجهة الأخرى ، والخبر يأخذك لأن تؤمن بتبادل الأسرى ويصبح إي جسد واحد هو كيانين مختلفين، فتخاف من يداك اليسرى التي قد تمسك خنجراً وتطعن يدك اليمنى وتوقفك عن القراءة الآن ، وربما عيناك كلاهما كان في خطوط التماس وكانا يطلقان السلاح على بعضهم، و تشعر تدريجياً أن دقات قلبك بدأت بالتضاءل فالقلب قرر أن يضخ الدم فقط لجهتك اليسرى فقط ، فتعود اضطرارياً لإستخدام مصطلح تبادل أسرى لجسدك وتقوم بتبادل أسرى بين قفصك الصدري الايمين والأيسر ، ليعود ضخ الدم لطبيعته ، لكن هل للعقل أن يقبل بذلك.
تكون مؤمناً بشيء واحد أننا جميعاً أسرى ، أسرى للحرب وللغزاة ، فهل حقاً سيخرج سجين من سجنه ليعود إلى صنعاء أو إب أو تعز أو عدن ، الأمر لا يستحق ذلك العناء كله ، بأن يتم تبادل أسرى لعدد معين وأخراجهم من سجن صغير إلى السجن الكبير.
أننا جميعاً مسجونون ، صنعوا لنا زنزانة بلا سماء وسجن بلا سقف لكنه كبير ليعيش بداخله كل الشعب اليمني ، سجن كبير لنا جميعاً ، فالسجن الكبير الذي نعيش فيه كُلنا صادروا فيه الرواتب من المسجونين ، حاصروه ، اوقفوا اقتصاده حجزوا عنه سفن النفط ، واوقفوا مطاراته وموانئه ، قصفوا السجناء وهم يحاولون العيش تم قصفم في المنازل والأسواق والمستشفيات والملاعب والمدارس والأحياء، فثمة سجنٌ كبير يتم معاقبة نزلاءه جميعاً فهم مذنبون.
أخذوا بعض من هذا الشعب ويقسمونهم قسمين ثم قالوا لنا تبادل أسرى وتم أعادهم للسجن الكبير ، ليعيشوا معنا في السجن الكبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق