مقالات - شؤون ليبية

الدور القطري العسكري في الصراع الليبي (2011 – 2020)

محمد منصور

على مدار العشر سنوات الماضية، احتفظت الدوحة بدور أساسي في كل ما تم على الأراضي الليبية، بعد حقبة العقيد الراحل معمر القذافي. حرصت قطر خلال هذه السنوات على الإبقاء على تفاصيل هذا الدور طي الكتمان قدر الإمكان، لكن أتسم هذا الدور بأكبر قدر من التأثير على مجريات الأحداث في ليبيا، عسكرياً وسياسياً.

– انخراط قطر في الملف الليبي يمكن تقسيمه إلى ثلاثة مراحل زمنية، المرحلة الأولى ما بعد سقوط النظام فى 2011 وحتى أتفاق الصخيرات 2016 إلى 2019، والمرحلة الثالثة وهي المرحلة الحالية تزامنت مع الانخراط العسكري التركي المباشر  في ليبيا، فبراير 2020 وحتى الآن.

– استراتيجية التسلل :

بدأت مبكرا منذ عهد النظام السابق حيث تبلورت ظهرت كلاعب فى ملف التسوية الأمريكية مع نظام القذافي، بشأن قضية لوكيربي، عام 2008، والتي تضمنت إنشاء صندوق شامل للتعويضات، بلغت قيمة المبالغ المودعة فيه، ملياراً و800 مليون دولار، وقد تولت قطر تسديد معظم هذه المبالغ، التي خصص جزءاً منها لتعويض أهالي ضحايا لوكيربي، كما أنها دفعت أيضاً مبالغ إضافية، منها نصف مليار دولار لإتمام عملية التسوية. إلا أن ليبيا لم تسمح بدور قطري في أعقاب تسوية هذا الملف . وبالتالى تغيرت هذه النظرة، أواخر عام 2010، بعد أن توصل القطريين إلى قناعة، أن النظام الليبي الحاكم في هذا التوقيت، لم يكن راغباً في إعطائهم أي دور اقتصادي معتبر في ليبيا، وهذا دفع القطريين إلى المضي قدماً في السعي لإسقاط النظام الليبي فى 2011 .

– الدوافع القطرية:

الاستغلال الاقتصادى: محاولة الدوحة لاستغلال كافة الإمكانات الاقتصادية الموجودة في ليبيا، وعلى رأسها النفط والغاز، من أجل وضع اليد عليها وعلى إمكانية الاستفادة منها من جهة، ومن جهة أخرى تضع من خلال تواجدها الاقتصادي في ليبيا، قدم في حوض شرق المتوسط، مما يمكنها من حفظ مكانتها الإقليمية كمصدر للغاز، ويتيح لها أوراق للضغط اقتصاديا على دول الحوض، ومنها مصر.

– تعزيز وصول الاخوان للسلطة : استهدفت قطر منذ بداية تدخلها في ليبيا، تقدم نموذج لكيفية نجاح فصائل الإسلام السياسي، في خوض التجارب السياسية، وهذا كجزء من الاستراتيجية القطرية العامة، التي تتخذ من دعم فصائل الإسلام السياسي، وسيلة لتدعيم تموضعها في المنطقة، ونشر نفوذها وتأثيرها إقليميا.

– إدارة مشهد الفوضى:  في البداية في المساهمة في إسقاط نظام القذافي، ومن ثم تطورت لتشمل دعم حكومة الوفاق عسكرياً، بما يسمح لها بالبقاء على قيد الحياة، ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، وفي نفس الوقت هذا سيدعم بشكل أكبر، الدور القطري في ليبيا.

– طبيعة الانخراط القطري :

-ينقسم الدور القطري في ليبيا إلى اتجاهين أساسيين، الأول هو الدور العسكري، الذي دارت فصوله منذ بداية أحداث فبراير في ليبيا، وصولاً إلى مرحلة ما بعد القذافي، أما في ما يتعلق بالدور الثاني، فهو دور تمويلي دعمت فيه الأجسام السياسية والعسكرية التابعة لها، في مناطق عديدة من ليبيا، على رأسها المنطقة الغربية. فعلي على المستوى العسكري، انخرط الجيش القطري في عمليات عسكرية على الأراضي الليبية، بهدف إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، وقد أتخذ هذا الانخراط أشكالاً عديدة، منها:

  1. مشاركة وحدات قطرية خاصة في المعارك الفعلية، خاصة معركة مجمع باب العزيزية في أغسطس 2011، حيث شارك مئات الجنود القطريين في العمليات إلى جانب (الثوار)، وتركز دورهم في التنسيق بين حلف الناتو والعناصر المسلحة، كما شارك ضباط قطريين في العمليات على الأرض، ومن بينهم ضابط القوات الخاصة (حمد المري)، الذي كان ضمن 20 ضابط قطري وصلوا إلى مدينة بنغازي، لإدارة العمليات على الأرض، وقد شارك الضابط المذكور في اقتحام مجمع باب العزيزية.
  2. في الفترة التي تلت سقوط العقيد القذافي، ساهمت قطر في دعم الحكومات الليبية المتعاقبة، وآخرها حكومة الوفاق، عسكرياً عبر استقدام بعض الطيارين المرتزقة، من دول مثل الأكوادور، لتشغيل المقاتلات التابعة لحكومة الوفاق، من نوع (ميراج أف1)، وذلك عبر نشر إعلان يطلب توظيف طيارين مقاتلين، يمتلكون ساعات طيران تتعدى الألف ساعة، ومن ثم إرسالهم إلى تركيا، ومنها إلى مطار مصراتة، وقد أكّد تقرير الخبراء التابعين للأمم المتحدة في العام 2017 حول ليبيا، هذه المعلومات.
  3. تدريب القوات الخاصة القطرية، لمجموعات (الثوار) الليبيين، سواء على المستوى التكتيكي أو التسليحي، وذلك في معسكرات تم إنشاؤها في جبل نفوسة غربي ليبيا، وفي مناطق أخرى شري البلاد. وشاركت القوات الجوية القطرية في عمليات حلف الناتو في ليبيا خلال تلك الفترة، عبر مقاتلاتها من طراز (ميراج 2000 ).
  4. الإنفاق على المجهود الحربي لمجموعات (الثوار)، حيث تعدت المبالغ التي تم أنفاقها 400 مليون دولار، وهذا يشمل تكاليف إعاشة وتسليح هذه المجموعات.
  5. دور الاستخباري ، حيث تواجدت الاستخبارات القطرية تواجدت على الأرض، عبر مراكز تم إنشاؤها خلال أحداث الثورة، في مدينتي طبرق وبنغازي، وقد ساهمت هذه المراكز في دعم وحدات الثوار بالمعلومات الاستخباراتية، حول مواقع قوات القذافي وتحركاتها.
  6.  نقلت طائرات الشحن العسكرية القطرية، كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والعربات المدرعة، شرقية المنشأ، إلى مطارات في الشرق الليبي، وشملت هذه المعدات وسائط للأتصالات، ومعدات للرؤية الليلية، وصواريخ فرنسية الصنع مضادة للدروع، من نوع (ميلان).
  7. شمل الدعم العسكري جوانب لوجيستية مساعدة، من بينها عمليات تدريب مجموعات الثوار عبر مدربين عسكريين قطريين، وإرسال قطر لشحنات من المواد الغذائية والطبية، إلى الشرق الليبي، وكذلك سعيها لتسويق النفط الليبي من موانئ الهلال النفطي، ومساعدتها لمجموعات الثوار في إنشاء قناة تلفزيونية، للترويج لما يقومون به من عمليات على الأرض
  8. ظلت الأسلحة القطرية تتدفق إلى الأراضي الليبية خلال السنوات الماضية، وهذا اتضح بشكل كبير خلال معارك درنة عام 2018، ففي يونيو من هذا العام، عثرت وحدات الجيش الوطني على صناديق تحمل شعار الجيش القطري، داخل منزل يعود لعطية الشاعري، قائد ما يسمى بقوة حماية درنة، التابعة لتنظيم القاعدة. كما عثرت وحدات الجيش أيضاً، على هويات ووثائق، تتعلق بما يسمى (ألوية قطر)، وقد اتضح أن بعض المجموعات الإرهابية في مدينة درنة، كانت في طور تشكيل وحدات خاصة، ممولة قطرياً، لإيقاف زحف قوات الجيش الوطني نحو الهلال النفطي في تلك الفترة.

تحقق الهدف الأساسي من التدخل العسكري القطري في ليبيا، تحولت الاستراتيجية القطرية، لتركز على دعم عدد من الميليشيات المسلحة، والشخصيات القيادية، بهدف إيجاد موطئ قدم سياسي وعسكري لها على الأرض، يسمح بتدعيم سياساتها وتوجهاتها، التي تستهدف التأثير على القرار السياسي والاقتصادي الليبي، واستخدامه لدعم مكونات الإسلام السياسي في الأقاليم، وتقديم ليبيا كنموذج لنجاح السياسات القطرية على المستوى العربي، ودعم موقفها على المستوى الدولي، كلاعب أساسي ومؤثر في رسم السياسات في الشرق الأوسط.

– دعم المليشيات :

دعمت الدوحة مالياً عدة ميليشيات ليبية كبرى، ومنها:

1-ميليشيا كتيبة ثوار طرابلس:  وهي التشكيل الأكبر في قوة حماية طرابلس، ويصل تعداد عناصرها الى نحو 3500 عنصر، وقد تكونت هذه الميليشيا كنتيجة لتحالف مجموعة من الميليشيات الصغيرة، التي تتخذ من مناطق مثل تاجوراء وعين زارة والفرناج مقرات رئيسية لتواجدها. يتولي السجين السابق (هيثم التاجوري) مهمة قيادة هذه الميليشيا، التي تتسلم حالياً مهمة تأمين المقرات الحكومية والأمنية داخل العاصمة تحت أسم ( جهاز الأمن المركزي).

2-ميليشيا قوة الردع: التي تُعرف باسماء أخرى من بينها (لواء أبو سليم)، (قوات غنيوة) و(قوة التدخل والردع المشتركة). وهي ميليشيا سلفية التوجه، تضطلع بمهام تقترب من مهام وحدات الأمن الداخلي، وتتمركز بصورة أساسية وسط العاصمة ومحيط مطار معيتيقة، بجانب منطقة سوق الجمعة، ويصل تعداد عناصرها ما بين 1500 إلى 2500 عنصر، ويقودها الشيخ السلفي المتطرف (عبد الرؤوف كارة)، وقد كان لهذه الميليشيا دور رئيسي في تمكين حكومة الوفاق من دخول العاصمة والاستقرار بها. ترجع أهمية هذه الميليشيا الى أنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع حركة النهضة التونسية، وتعد المستقبل والموزع الرئيسي للأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية التي يتم إرسالها من قطر وتركيا الى ليبيا. وحالياً أصبح أسم هذه الميليشيا هو (جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والتطرف)، بعد أن قام المجلس الرئاسي بحلها وضم أفرادها إلى القوات التابعة لوزارة داخليته.

– كذلك دعمت الدوحة مالياً، بعض التحركات العسكرية التي تمت في الفترة السابقة، لبدء هجوم الجيش الوطني على طرابلس، في أبريل 2019، منها دعمها للهجوم الذي شنته وحدات تابعة لإبراهيم الجضران، قائد ما يسمى (قوة حماية المنشأت النفطية)، الذي شن هجوم على منطقة الهلال النفطي، في يونيو 2018، لمحاولة منع محاولات الجيش الوطني للتقدم غرباً، ومن جهة أخرى حرمان شرق ليبيا من ورقة السيطرة على الهلال النفطي.

– يضاف إلى ما سبق، قيام الدوحة بدعم قيام عدة أحزاب سياسية، وشركات محلية، من بينها حزب الوطن، الذي أسسه في عام 2011، الرئيس السابق لغرفة ثوار طرابلس، وأمير الجماعة الإسلامية المقاتلة السابق عبد الحكيم بلحاج، كما أن هذا الأخير قام بتأسيس شركة للطيران بدعم مالي قطير، تدعى شركة (الأجنحة الليبية)، لها دور أساسي في عمليات نقل المرتزقة من تركيا إلى ليبيا. أيضاً دعمت قطر تأسيس حزب (العدالة والبناء)، وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان في ليبيا.

– الدور المرحلي:

– رغم التراجع النسبي للدور القطري في ليبيا، في الفترة التالية لاتفاق الصخيرات السياسي، إلا أن دورها عاد للتصاعد تدريجياً، منذ بدء هجوم الجيش الوطني الليبي على طرابلس، في أبريل 2019، وتمثلت ظواهر هذا التصاعد في التالي:

1- تم رصد رحلات متقطعة لطائرات الشحن التابعة لسلاح الجو القطري، من طراز (سي 17)، إلى أسطنبول، وإلى ليبيا في بعض الأحيان، حاملة معها شحنات من الأسلحة والذخائر، وهي رحلات تكثفت بشكل أوضح خلال الأسابيع الأخيرة.

2- طلب تركي عبر محادثة هاتفية تمت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر، في يونيو الماضي، بتمويل الدوحة للعمليات العسكرية الجارية حالياً، والتي ستتم مستقبلاً. وهذا يضاف إلى المساهمة القطرية المالية، في عمليات نقل المرتزقة من تركيا إلى ليبيا.

3- اتضح عقب إلقاء الجيش الوطني الليبي، القبض على أحد المرتزقة السوريين، ويدعى محمود جسمي المرغني، أنه عقب وصوله هو ورفاقه إلى ليبيا، أستقبله ضباط أتراك وقطريين، لتنظيم تواجدهم وقتالهم في طرابلس.

4- تناولت الصحافة الصومالية، أنباء عن خطة قطرية – تركية، تتضمن تدريب 2000 جندي صومالي، للقتال في ليبيا، بعد منحهم الجنسية القطرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق