انقضى شهر أكتوبر، الشهر المخصص من كل سنة للتوعية بسرطان الثدي في كل دول العالم، أما في تونس فقد كان مناسبة للجمعيات الناشطة في مجال الوقاية من المرض الخبيث لتكثيف حملاتها والوصول للألاف من الناس عبر منصات رقمية لتنبيههم بأهمية الفحوصات المبكرة لتقصي السرطان.
أكتوبر ملأ الفضاءات باللون الوردي غير أن الأرقام الرسمية المنشورة في البلاد بخصوص عدد الإصابات تبدو قاتمة اللون حيث أن ما أعلنه قسم الوبائيات بمعهد صالح عزيز لمرض السرطان يدعو للفزع، بعد أن بلغت عدد الإصابات بالسرطان خلال عام 2019 ما يقرب من تسعة عشر ألف إصابة ، أكثر من نصفهم من النساء.
و تشير الأرقام إلى أن أكثر أنواع السرطانات انتشارا هو سرطان الثدي حيث سجلت السنة الأخيرة ثلاث آلاف إصابة في صفوف النساء، ويرجح أن يرتفع الرقم إلى أربعة آلاف و خمس مائة إصابة بحلول عام 2024.
ثلاثة آلاف إمرأة في تونس أصبن بسرطان الثدي في عام 2019، ومن بينهن الكثير من الناجيات الائي هزمن المرض و تغلبن عليه؛ أمهات و شابات لم يستسلمن للمرض قاومنه و هزمنه واسترجعن حقهن في الحياة .
رغم كل ما يدمره المرض الخبيث من ملامح الأنوثة كاسئتصال للثدي و فقدان للشعر، إلا أنها تبدو تفاصيل يمكن محوها من الصورة بمجرد الشفاء كما تؤكد محدثتنا يامينة 55 عاما، ووصفة الشفاء كما تقدمها يامينة “التسلح بالكثير من العزيمة و الأمل إلى جانب الإلتزام الدقيق بتوجيهات الأطباء”.
و تضيف “لم تكن رحلة العلاج سلهة، تخللتها لحظات من الخوف و أخرى من اليأس، ولكنني قررت أن أتعامل مع السرطان مثل مرض بسيط أتلقى العلاجات اللازمة، وأعيش حياتي بشكل عادي، وقد كنت أطبخ وأقوم بشؤون المنزل وأرافق أبنائي للمدارس،وأتلقى الزيارات العائلية، كل هذا ساعدني على تحدي المرض طبعا إلى جانب الكثير من التفاؤل الذي أعتبره مهما للإنتصار لأن التوتر هو العدو الأول للإنسان حسب تجربتي”.
و تروي يامينة لموقع “سكاي نيوز عربية” تفاصيل رحلة العلاج “أول المحطات كانت الصدمة بعد تأكدي من الإصابة بسرطان الثدي ثم التردد في تلقي للعلاج الكيميائي، ثم كان القرار بمساعدة العائلة وهو الانطلاق في رحلة العلاج بكثير من الشجاعة والأمل ومع العلاج بالأشعة التزمت بالغذاء الصحي وخاصة بالرياضة ورغم جلسات العلاج الكيمائي المتعبة كنت أستمر في التمارين الرياضية أو المشي، وبعد عام كامل هزمت المرض الخبيث “.
عن دور العائلة والأصدقاء تقول يامينة “كانت المرافقة النفسية من العائلة وبعض الأصدقاء حافزا مهما للشفاء، ولكن لا أنسى أيضا العبارات القاسية فبعض الأصدقاء ودون قصد يحدثك عن السرطان الذي يقتل ضحاياه و عن العلاج الكيميائي وآلامه، وهي من الأمور التي أعتبرها محبطة لمن هم في طريق العلاج”.
ورغم مرور سنوات على تغلبها على سرطان الثدي تقول “لن أنسى كلمات الطبيب بعد العملية الجراحية، إذ قال لي أحسنت سيدتي جهازك المناعي يقاوم بشكل جيد ولكن أحذرك عليك البدء في نمط جديد للحياة، كانت هذه الكلمات بمثابة إعلان لحياتي الجديدة التي أصبحت مختلفة فيها مساحات كبيرة للرياضة وللعائلة وللمرح والتفاؤل.
و تضيف مريم “في رحلة العلاج استئصلو ثديي وخسرت شعري وتغير شكلي كثيرا، أشياء ليست سلهة على المرأة، ولكنها تتحول إلى جزئيات أمام أمل الشفاء والعودة إلى الحياة؛ و اليوم استرجعت شعري و أصبحت أكثر ثقة و انخرطت في جمعية لمقاومة السرطان حيث أحاول أن أهدي الأمل والعزيمة لمن يحتاجها انطلاقا من تجربتي الصعبة كما أعمل على توعية النساء للذهاب للتقصي المبكر”.
من جهتها، تقول لمياء 43 عاما “أنهيت رحلة العلاج منذ أسابيع، وكما ترون أتجول حاليا بشعر مستعار وأمارس عملي في محل لبيع المرطبات، الأطباء متفاؤلون بنتائج الفحوصات بعد انتهاء جلسات العلاج، وأنا اليوم بخير وأحاول أن تكون تجربتي ملهمة لغيري من النساء من خلال العمل الجمعياتي”.
من جانبها، تقول سهى 45 عاما “مر على شفائي من المرض الخبيث سنوات وحتى اليوم مازالت أتذكر جيدا كيف أعلمني الطبيب المعالج أن الكتل التي أعاني منها في الثدي هي أورام سرطانية”.
وأضافت “كان الأمر بمثابة الهزة التي قلبت حياتي رأسا على عقب رغم أنني رياضية و كنت في أنجح مراحل حياتي أطلق مشروعي الخاص وأكون عائلة سعيدة و متماسكة؛ تجاوزت الهزة من أجل ابنتي وبدأت رحلة العلاج وهزمت المرض الذي سبق و أن غدر ببعض أفراد عائلتي وسرقهم مني”.
وتعقب سهى “ما أنصح به اليوم المرضى هو الثقة في الله والأمل في الشفاء وعدم ترك أجسادهم لليأس و الضغط النفسي فالمعنويات المرتفعة مهمة في مكافحة السرطان، كما أنصح النساء بالكشوفات الدورية التي تمكنهم من الكشف عن العدو الخفي في مراحل مبكرة”.
الأمر ذاته تؤكده رجاء جمني عضوة جمعية نوران لمقاومة السرطان حيث تؤكد أن تسع حالات من عشرة قابلة للشفاء لو تم تشخيصها في الوقت المناسب.
وتقول في تصريح إن الجمعية حريصة على دعم مجهود الدولة في التقصي المبكر عن السرطان بتركيز التجهيزات في المستشفيات التي تفتقر إليها وتنظيم حملات واسعة للتوعية بقيمة الكشف الدوري.
هذا ويشار إلى أن مرضى السرطان في تونس يشكون طول انتظار مواعيد الجلسات الكيميائية بسبب نقص في التجهيزات، فضلا عن النقص الحاد في المعدات الطبية للتقصي المبكر حيث ينتظر أكثر من عشرين ألف مريض مواعيد الأشعة في مستشفيات لا تتجاوز طاقة استيعابها خمسة آلاف مريض.
و أكد الدكتور حاتم فريخة أستاذ في العلاج بالأشعة في تصريح، أن النسق التصاعدي للأمراض السرطانية في تونس و العالم يدعونا للتفكير بصفة جدية في تغيير نمط حياتنا و توسيع دائرة الوقاية و التشخيص المبكر و هي أنشطة تأثرت بجائحة كورونا و لكن يجب الاستمرار فيها لأن تسعين بالمائة من الحالات التي تشخص في مراحل أولى تشفى و لا يجب أن نفوت فرص الشفاء على المرضى.
و ذكر دكتور فريخة بأهمية تغيير سلوكنا الغذائي و تقليص استهلاك السجائر و الأكلة السريعة و الدهون و السكريات مع الإلتزام بالنشاط البدني.
*المصدر:سكاي نيوز