أخرى

خفايا وأبعاد الإحتفاء الحوثي بالمولد النبوي

مانشيت-متابعات

ارتبطت ذكرى المولد النبوي الشريف في أذهان اليمنيين كفعالية دينية بحتة، يجري إقامتها غالباً في المساجد ومن قبل شيوخ الصوفية والمتأثرين بها من المذاهب الأخرى في منازلهم وخصوصاً بعض المتصوفة المحسوبين على مذهب الشافعية، حيث كان أولئك الشيوخ يقيمون احتفالات عشية الذكرى يُطلق عليها “المولد”، يحضرها الجمع الغفير من الناس من مختلف القرى حاملين معهم العديد من “المواشي” التي يتم وقفها منذ شهور للمناسبة المنتظرة، حيث يتخلل هذه المناسبة إقامة مأدبة العشاء وغيرها، وتلقى فيها القصائد ويتم ترجيع الأناشيد والمواويل الخاصة بالفعالية ، والاحتفاء بها حتى مطلع الفجر في العديد من المحافظات اليمنية.. الإ أن تلك الصورة المرسومة للمناسبة اختفت كثيراً وبدأت في التلاشي في الأعوام الأخيرة بصورة ملفتة.

وقبل بضع سنوات معدودة خرجت المناسبة الدينية التي كان يمارسها النزر اليسير من المتصوفة عن سياقها الطبيعي ومسارها المعهود لتأخذ بعداً سياسياً صرفاً، حين عمدت جماعة الحوثي تطلق على نفسها ( حركة أنصار الله) على رعاية احتفالات كبيرة تحشد لها عشرات الآلاف من مختلف المحافظات اليمنية إلى محافظة صعدة، وتحديداً بعد تجاوز الجماعة لـ” مرحلة الحروب الست ” مع نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مستفيدة من الانتفاضة الشعبية التي شهدتها اليمن، واستقطاب أنصار وموالين جدد، خصوصاً من خارج إطار مذهبها وهم من اصطلح على تسميتهم بـ ( المتحوثين).

ردود فعل غاضبة وساخطة

ولاقت الطريقة التي سلكها الحوثيون في الاحتفال بــ”المولد النبوي” انتقادات كثيرة من قبل عدد من الكتاب والمثقفين، ووصف، الكاتب والمحلل السياسي، سامي غالب، الطريقة التي احتفل بها الحوثيون بالمولد النبوي، بأنه ” عدوان مبين على مشاعر الناس أجمعين، وعلى تراث الزيدية العريق”.وقال، غالب في منشور على موقعه في شبكة التواصل الاجتماعي، بأن تراث الزيدية ” لم يكن طقوسياً ولا قبورياً على طريقة هذه الجماعة- الحوثية- التي تثير النفور حتى لدى أشد المتعاطفين معها في أوقات المحنة والتنكيل بها”.

وأشار إلى أن ما تفعله جماعة الحوثي، في احتفالها بالمولد النبوي، “استعراض عضلات سخيف وبدائي وأخرق في مقام ذكرى رسول الرحمة والسلام”.وخاطب، غالب، الحوثيين بالقول” ما أبعدكم عنه ! من المخزي هذا التوظيف السياسي والعصبوي المقيت للمشترك الديني والوطني لليمنيين”.

أما، الكاتب، وليد البكس، فيرى أن جماعة الحوثي “استغلت” مناسبة مولد النبي، وبطريقة احتفالها ” تذكي النزعات الفئوية الضيقة التي من شأنها تعزز البغضاء و تغذي الكراهية داخل المجتمع اليمني”.وقال في منشور له على صفحته بالفيس بوك:” الناس تحب الرسول صلى الله عليه وسلم و تتغنى في مولده النبوي العظيم ، لكن محاولة جماعة الحوثي استغلال المناسبة و توجيهها ليس ببريء”.

وأكد أن طريقة احتفالها، تخالف ” الطريقة الزيدية البهية المتواضعة التي يعرفها اليمنيون”، مشيرا إلى أن ” أبسط المظاهر المنفرة و أهمها ، انتشار بعض المنتمين لفكرة الحوثي في بعض أحياء العاصمة متجهمين و بأسلحتهم”، وأن تلك ” الطريقة تذكي النزعات الفئوية الضيقة التي من شأنها تعزز البغضاء و تغذي الكراهية داخل المجتمع اليمني ، إذ تفرط في تحويل المناسبات الدينية إلي مهرجانات و موالد سياسية استعراضية للقوة”.

ولفت الانتباه إلى أن طريقة احتفال الحوثيين بالمولد ” أمر يثير الريبة ، و الإفراط المبالغ في كل هذه المظاهر غير البريئة ، من الطبيعي أن يصيبنا بالتلوث البصري”.

وفي السياق، يشير الكاتب اليمني “سامي نعمان” إلى أن “جماعة الحوثي تقوم بتوظيف المناسبة لتغطية جانب من غيابها الكبير عن المحفل السياسي وللتأكيد في الوقت نفسه على أن ثقلها الشعبي لا يمكن القفز عليه ويجب أن يؤخذ في الاعتبار عند إقرار أي ترتيبات سياسية مستقبلية”.

ويأتي اهتمام جماعة الحوثي بالمولد في سياق الاهتمام بموروث الأطراف الاخرى في اليمن من المذهب الشافعي والتيارات المحسوبة على أهل السنة عموماً بما يسوقها كـ”حركة متجاوزة لعقدة المذهبية”.

وقبل عامين من الآن، حشدت جماعة الحوثيين عشرات الالاف للمشاركة في احتفالين بهذه المناسبة، أكبرهما في محافظة صعدة، حيث معقلها الرئيس، والآخر في مديرية سنحان موطن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، عقب رفض السلطات اليمنية حينها منحهم “الصالة الرياضية” وسط العاصمة صنعاء للاحتفال بالمولد النبوي، قبل أن تتراجع العام الماضي وتمنحهم الملعب الرياضي الأبرز في العاصمة للاحتفال فيه، لتقيم احتفالها هذا العام في مقر المنطقة السادسة (الفرقة الأولى مدرع سابقاً).

وتحرص جماعة الحوثي كالعادة على دعوة كافة الجهات الرسمية والتنظيمات السياسية، ومراسلي الصحف ووكالات الأنباء الخارجية والمصورين الصحفيين عبر مكتب خاص يتكفل بنقلهم الى من العاصمة صنعاء إلى محافظة صعدة شمالاً.

توظيف سياسي واستعراض للقوة

وتهدف الجماعة من الاحتفاء بذكرى المولد النبوي إلى استعراض شعبيتها وقدرتها على الحشد المتنوع، وإظهار مساحة انفتاحها في مناسبات جامعة للمذاهب والمكونات الاجتماعية، ومن جهة أخرى تعادل بها كفعالية دينية جانباً من حضورها الطاغي كجماعة مسلحة خاضت حروباً في خمس محافظات شمالية مؤخراً في مواجهة خصومها ومناوئيها شعبياً ودينياً وعشائرياً .

وتهدف الجماعة من إقامة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الدعاية السياسية والتعبير عن الوجود والتأثير على الجماهير، وإعطاء انطباع التدين للقائمين على الاحتفال، والتأكد من سحب البساط من الدولة عقب السيطرة على الكثير من مؤسساتها، حيث تتولى المليشيات المسلحة حشد وتجييش الناس ووضع الافتات والشارات، ورفع الشعارات نيابة عن الدولة .

كما تهدف الجماعة من إقامة الاحتفال إلى التعمية على بعض الممارسات والمظالم والفساد والانحرافات التي تقزز منها الرأي العام والشارع العربي والإسلامي كتفجيرهم للمساجد ودور القرآن، واقتحام حرمة البيوت ونهب المقدرات والمكتسبات العامة والسيطرة على الوظائف العامة، وأعظم من ذلك كله قتل النفس التي حرم الله واستباحتها بذرائع واهية وغير معتبرة.

ويعتقد متابعون للشأن اليمني أن جماعة الحوثي تستغل المناسبات الدينية للتوغل أكثر في المناطق التي طالما كان محرماً عليها ممارسة طقوسها الدينية فيها وخصوصاً أمانة العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى إرسال رسائل للأحزاب السياسية بامتلاكها قواعد جماهيرية موازية لها وأكثر.

ويعتبر الكاتب والباحث اليمني آدم الجماعي ” احتفاء جماعة الحوثي بالمولد النبوي الشريف، ضمن سياسة التوظيف الديني بهدف جذب الناس من قبل الجماعة، فلم يحظ النبي محمد عليه الصلاة والسلام من التمجيد، بقدر ما تم تمجيد مسيرة الحركة الحوثية وتوسعها التخريبي، وهذا ما جسّده خطاب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، الذي لا ينوبه أحد فيه، من تكريس للثقافة الطائفية والمذهبية والسلالية في اليمن”.

وقال الجماعي ” لقد طغى حضور شعار الصرخة على ما عداه ، وهذا لا يمت بصلة للمناسبة من قريب ولابعيد ، بل برزت الثقافة الحوثية وأدبياتها على اللوحات والملصقات والمنشورات، وإشهار رموز جماعة الحوثي بعباراتهم ومأثوراتهم، في حين انعدمت الآثار والأحاديث النبوية، كما لم تخل عملية الإعداد للاحتفالية من استفزاز أتباع ومسلحي جماعة الحوثي للناس في منازلهم ومحلاتهم التجارية، وفي الشوارع والأسواق ومضايقة من يخالف هذه المظاهر الغريبة على المجتمع اليمني” .

وأردف الجماعي بالقول : ” لم يثبت تاريخيا أي ارتباط للجماعة بالمولد النبوي الشريف، وبالمذاهب الفقهية بما فيها الزيدية، وذلك لأنها ارتبطت بالمذهب السياسي لدى بعض الفاطميين في مصر، بهدف استعطاف جهلاء المصريين وإضفاء الشرعية لانتسابهم إلى ذرية النبي عليه الصلاة والسلام، بعد ما نبذهم المصريون بانقطاع نسبهم وجهالة حسبهم، وارتبطت بالمذهب الصوفي التقليدي، ضمن طقوسهم المعبرة عن العاطفة الروحية تجاه النبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا يمارسونها في الزوايا، وظلت هذه العادة قائمة في اليمن ببعض المناطق عن طريق الدراويش الذين يحيونها ببعض المدائح النبوية” .

ويعد إقامة هذه المناسبة في اليمن بهذه الصورة من قبل الحوثي، من الطقوس ذات البعد السياسي والتخدير العاطفي لأتباعهم، ولم يعرف بتاريخهم الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، بل اشتهر لدى الشيعة بتقديس رموزهم، وآل البيت، وإحياء المناسبات التي تربطهم كالغدير، وعاشوراء.

جبابة لأموال الناس والدولة

واتهم الكاتب علي العمراني، وهو وزير سابق في حكومة الوفاق جماعة الحوثي بفرض إتاوات وجبايات على أموال اليمنيين بغير حق لتغطية تكاليف الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، مدللاً اتهامه بقوله :”رأيت أحد السندات المالية، التي دفعها صاحب أحد المحلات في العاصمة صنعاء، لجماعة (أنصار الله) الحوثي لتغطية تكاليف الاحتفال بمولد النبي محمد”.، موضحاً بأن “فكرة السند بمبلغ ثلاثة آلاف الذي يجب أن يدفعه أصحاب المحلات في صنعاء مساهمة في الاحتفال، لإيهامهم أنهم “يأخذوا أموال الناس حلالا وبنظام ما دام هناك سند”.

وأكد وزير الإعلام اليمني الأسبق أنه “لاحظ توجيهاً للرئيس عبد ربه منصور هادي يقضي بصرف مائة مليون ريال يمني، أي بما يساوي أربعمائة وخمسون ألف دولار، للاحتفال بالمولد النبوي متسائلاً بقوله : ألا يكفي ما وجه به الرئيس هادي، لإيقاف جباية الحوثي للمواطنين في اليمن”.

و نشر ناشطون يمنيون، توجيها مكتوباً بخط اليد من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لمدير الدائرة المالية بوزارة الدفاع بصرف مبلغ مئة مليون ريال يمني لمستشاره المنتمي لجماعة الحوثي صالح الصماد، لتغطية تكاليف فعالية المولد النبوي التي أحيته الجماعة السبت، بينما نشر آخرون سندات استلام مبالغ مالية، قام الحوثيون بتوزيعها على أصحاب المحلات التجارية في صنعاء.

وفي غضون الأيام الفائتة، امتلأت شوارع العاصمة صنعاء وبعض المدن الأخرى كـ صعدة وعمران وحجة (شمال) بعشرات الشعارات واللافتات الخضراء التي تدعو الناس للاحتفال بالمولد النبوي مقرونة بشعار جماعة الحوثي المنادي بـ”الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل”، وتذكرهم بولاية علي ابن أبي طالب، باعتبارهم من سلالته.

وبدأت الجماعة منذ أيام استغلال مناسبة المولد النبوي بممارسة جباية الأموال من الناس وإصدار توجيهات عبر بعض الدوائر الحكومية تلزم ملاك المحال التجارية برفع الأعلام الخضراء وطلاء أبواب محلاتهم.

وكشفت وثائق رسمية عدة عن إلزام جماعة الحوثي لملاك المحلات التجارية في محافظة “إب” وسط البلاد بطلاء أبواب محلاتهم ورفع الأعلام الخضراء، تعبيرًا عن احتفاءهم بالمولد النبوي.

والجديد هذه المرة في احتفال الحوثيين إجبارهم السلطات المحلية التي يتحكمون بها بقوة السلاح على دفع نحو اثنين مليون ريال، لتغطية تكاليف احتفالاتها بالمناسبة الدينية “المولد النبوي”، كما حصل في محافظة ذمار.

وتداول ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” مذكرة رفعها مندوب الجماعة في المحافظة ويدعى “أبو عادل” إلى نائب المحافظ “شائف العنسي” يطالبه فيها بصرف مبالغ يومية لمن أسماهم “أعضاء اللجان الشعبية”، التابعين للجماعة.

وفي “الحديدة” الواقعة غرب البلاد فرض الحوثيون مبالغ أكبر على السلطات هناك خاصة محافظها الذي اشترطوا تعيينه بعد عزلهم للمحافظ المعين بقرار رئاسي، فضلًا عن إجبارهم التجار على دفع تكاليف مثل هذه المناسبات.

ولا يختلف الحال كثيرًا عند المواطنين في محافظة “صعدة” معقلهم الرئيسي والتي يفرضون فيها على أبناء المحافظة مبالغ مالية على جميع أبناء صعدة في كل مناسبة دينية مذهبية مثل المولد النبوي ويوم عاشوراء وعيد الغدير وذكرى مقتل مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي.

ويتراوح مقدار المبالغ المفروضة على المزارعين بخمسة آلاف ريال يمني “25 دولارًا” على كل رب أسرة أو صاحب محل تجاري صغير أو مزارع، ويتضاعف المبلغ كلما كان التاجر أو المزارع أكثر ثراءً، وفي حالة رفض الدفع يتم إخضاع من يرفض للأمر الواقع.

وفي العاصمة “صنعاء” سمحت السلطات لأول مره للجماعة بنصب لوحات عملاقة تروج للمناسبة الدينية، وامتلأت شوارع العاصمة صنعاء بلوحات إعلانية تبنى مكتب أمانة العاصمة تمويلها، وتدعو إلى الاحتفاء بذكرى المولد.

وتكمن خطورة خطوة الحوثيين بفرض تكاليف الاحتفال ببدعة المولد النبوي الرافضية على الأفراد والدولة اليمنية السنية، في كونها محاولة لنزع الهوية الإسلامية السنية لليمن، وفرض احتفالات بدعية رافضية على المجتمع اليمني السني.

والعجيب في الأمر أنه على الرغم من ثبوت عدم مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي وكونه بدعة محدثة ، ورغم ما يفعله الحوثيون من استغلال هذا المناسبة لجمع المال من مسلمي اليمن وحكومتها بقوة السلاح لاستخدامها ضدهم، ما يزال بعض المسلمين من أهل السنة يحتفلون بهذه البدعة !!

ومن هذا المنطلق نلاحظ الأهمية السياسية لإبقاء مثل هذه الاحتفالات على صورتها تلك والنفخ فيها حتى تكون أكثر زخما ولهوا وإلهاء للشعوب، والظهور بمظهر الاحتفاء بشعائر الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق