حوّلت جماعة الحوثي مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي، هذا العام، إلى حملة لابتزاز المواطنين ورجال المال والأعمال، وأرباب المؤسسات التجارية، ومنظمات المجتمع المدني، من خلال فرض جبايات وأموال عليهم، تحت مبرر تمويل الاحتفال.
استغل الحوثيون هذه المناسبة لنشر الطائفية، من خلال فرض المعتقدات الحوثية على المجتمع اليمني. إلى جانب سعيهم إلى توظيف المناسبة سياسياً، من خلال الحشد لمهرجان سيقام في الـ12 من ربيع الأول الجاري، واعتبارهم هذا اليوم عطلة رسمية منذ العام الماضي.
“أشداء عليهم”
على غير عادتها، بدأت جماعة الحوثي استعدادها للاحتفال بمناسبة مولد النبي محمد، في وقت مبكر هذا العام.
وأقر قياديو المكتب السياسي للجماعة الحوثية، منتصف أكتوبر الماضي، برنامج الاحتفال بالمولد، والذي تضمن إلزام أصحاب المحال التجارية بشراء القماش الأخضر والأبيض، وتعليقه على الجدران، وطلاء أرصفة الشوارع وأبواب المحال التجارية باللون الأخضر، إضافة إلى إلزام عقال الحارات ومشرفي الأحياء في العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرتهم، بتنظيم احتفالات تقام على مدى شهر ونصف، وفقاً لمسؤول محلي مقرب من الحوثيين
من لم يستطع دفع الأموال، يتم إلزامه بالتبرع بالبطانيات والملابس الشتوية، والقفازات، والشماغات والقبعات.
وتضمنت خطة الحوثيين، إقامة مجالس مقيل تُعقد بعد صلاة العصر في منازل الوجاهات والشخصيات الاجتماعية، للنساء والرجال، في كل حي، وإقامة محاضرات بين صلاتي المغرب والعشاء في المساجد، وأمسيات من بعد صلاة العشاء تتضمن فقرات مسرحية وإنشادية وشعرية وكلمات توجيهية.
وتضمن برنامج الاحتفال بالمناسبة، أيضاً، إلزام عقال الحارات ومشرفي الأحياء بتجنيد 5 أشخاص للواء عسكري يسمى “لواء الرسول الأعظم”، إضافة إلى إلزام كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية، بما فيها التعليمية، بتنظيم احتفالات في كل وزارة ومؤسسة، وإلزام التجار وأصحاب المحال التجارية ومؤسسات القطاع الخاص بدفع تبرعات لمقاتلي الجماعة الحوثية في مختلف الجبهات، تحت مسمى “أشداء عليهم”.
في المؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرتهم، خصص الحوثيون من أموال تلك المؤسسات مبالغ مالية ضخمة لشراء اللافتات واللوحات العملاقة المعلقة في الشوارع الرئيسية والفرعية، ومصروفات أخرى.
ومن لم يستطع دفع الأموال، يتم إلزامه بالتبرع بالبطانيات والملابس الشتوية، والقفازات، والشماغات والقبعات.
وأقر الحوثيون إلزام التجار وأصحاب المحال التجارية بدفع تبرعات مالية وعينية لأسر وعائلات القتلى والجرحى والأسرى التابعين لجماعة الحوثي، تحت مسمى حملة “رحماء بينهم”.
ومن الأنشطة التي تضمنها برنامج الاحتفال، تحشيد الناس لحضور المسيرة المركزية للاحتفال بالمولد النبوي، يوم 12 ربيع الأول الجاري، عبر مختلف وسائل الاتصال، بما فيها الاجتماعات الفردية، والرسائل النصية عبر التلفونات المحمولة، ووسائل الدعاية والإعلان، ومنها اللافتات والبروشورات والمطويات، وعبر وسائل الإعلام المختلفة.
سلب ونهب
خلال الأسبوعين الماضيين، وفي سياق حملة الجبايات التي تنفذها، تزامناً مع استعداداتها لإقامة احتفالات المولد النبوي، أقدمت جماعة الحوثي، عبر وزارة الصحة الخاضعة لها، على إغلاق ٤٤٠ صيدلية، وفرضت على كل صيدلية دفع ١٠٠ ألف ريال لفتحها، ومؤخراً فرضت دفع ٢٠٠ ألف ريال على كل أصحاب المخابز.
وفي المؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرتهم، خصص الحوثيون من أموال تلك المؤسسات مبالغ مالية ضخمة لشراء اللافتات واللوحات العملاقة المعلقة في الشوارع الرئيسية والفرعية، ومصروفات أخرى.
وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تداولوا وثيقة كشفت عن صرف جامعة صنعاء نحو 12 مليون ريال قيمة تكاليف الاحتفال بالمولد النبوي في الجامعة.
تجار ومواطنون قالوا، إن ما يقوم به الحوثيون من نهب وتسلط مورس بحقهم يُعد بعيداً عن التأسي بأخلاق النبي محمد، ومنافياً لتعاليم الدين الإسلامي.
يقول بليغ الروضي، أحد تجار العاصمة صنعاء، إن مسلحين تابعين لجماعة الحوثي هددوه بالسجن ما لم يدفع مبلغ 10 آلاف ريال مقابل دعم قافلة المجاهدين، وحينما لم يرضخ لتلك التهديدات، استقدم الحوثيون طقماً عسكرياً قيل له إنه يتبع مكتب الأشغال العامة، وعند التحقيق معه، خيره مدير مكتب الأشغال في مديرية معين، إما دفع مبلغ 20 ألف ريال مقابل غرامات كيدية، وإيجار الطقم العسكري، أو السجن، فكان على بليغ أن يدفع المبلغ كاملاً وهو مكره.
وفي حارات العاصمة صنعاء، فرض عقال الحارات على المواطنين دفع 5000 ريال قيمة أسطوانة الغاز بزيادة 1400 ريال عما كانت تباع فيه الأسطوانة من قبل التجهيز باحتفال المولد النبوي، كما يقول لـ”المشاهد” المواطن محمد السياغي.
وأضاف: “الحوثيون يناقضون شعاراتهم؛ فهم يتحدثون عن أنهم يسعون لنشر ثقافة التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع في مناسبة المولد النبوي، وهم يمارسون النهب والسلب، ويُشرعون تلك الانتهاكات”.
“أطعموا الجائعين”
ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي كان لهم ردود أفعال غاضبة حيال الانتهاكات التي تمارسها جماعة الحوثي بحق المواطنين والتجار باسم الاحتفال بالمولد النبوي.
ويقول الناشط زين العابدين الضبيبي: “لسنا ضد الاحتفال بمولد النبي الكريم، وأعتقد أننا كنا نحتفل به قبل هذا الغبار الأخضر، بمشاعر صادقة، بعيداً عن التكلف والبهرجة السياسة والجبايات المفروضة على الخلق، ليصبح الاحتفاء به صلى الله عليهم وسلم عقاباً إجبارياً يُرغم فيه الناس على دفع تكاليفه أو تعليق الخرق الخضراء والطلاء الأخضر عبر ابتزازهم لتحصيل ملايين الريالات من أجل فعالية صارت سياسية أكثر منها دينية، بعد أن أُفرغت من روحانيتها، وقُتلت بهجة الناس بها، وقد صارت تشاركهم قوتهم ومدخولهم، بينما يأكل السواد الأعظم من النفاية، ويطرد موظفو الدولة من منازلهم بعد انقطاع رواتبهم، وينتحر المعلمون الذين تكالبت عليهم الظروف، وعجزوا عن إطعام أطفالهم”، مضيفاً: “لقد كان الجميع يحتفل بمولد النبي الكريم بكل حب، وكل بطريقته، واليوم أصبح الكل يحتفل به مكرهاً، ويدفع رغماً عنه”.
وخاطب الضبيبي جماعة الحوثي قائلاً: “أيها المتنمرون في وجوه من يعترض على استعراضكم بميلاد جدكم لا بنبي الأمة، إن كنتم لا تعلمون لم نعترض، اخرجوا واسألوا أصحاب المحلات بحاراتكم كم دفعوا من المبالغ بالإكراه، وماذا فُرض عليهم من أجل إحياء المولد. وأعتقد لن يُرضي النبي الاحتفاء به بكل هذه الملايين وربما المليارات، وملايين اليمنيين لا يجدون أبسط مقومات الحياة، ويعيشون تحت خط الفقر