تزامن تألق وحضور فؤاد الكبسي الفني مع أجمل سنوات شهدتها اليمن.
السنوات التي اختفت بها كل معالم التطرف الديني والعنصرية وامتزجت التباينات بين اليمنيين حتى أصبحوا كتلة متحدة لا يفرقهم مذهبًا أو منطقة أو قبيلة أو سلالة.
تلك الحقبة كان يجتمع بها القضاة ورجال الدولة لإحياء جلسات الشعر والغناء ولعل الكبسي كان الفنان الأكثر حضورًا في الوسط آنذاك ما يجعلنا نتذكره بأحس صورة إضافة إلي تميزه الفني.
يلزمني الوقار وأنطرب كلما سمعت أغاني الكبسي ويحتويني شجن بحجم غيوم ليلة ماطرة شديدة الزنينة ويذهب تفكيري لاستدعاء مواقف مضت مرتبطة بنوع الأغنية التي أسمعها، كالفرح والحزن والحب والفراق واللقاء والجمال والدلال والجبال التي تلتز بالصدر وكيف يمكن أن يسيل منهن العسل ويحتشر برأسي مشهد فيه ثلاث حرازيات وامرأتين من شبام كوكبان يرقصن مرحلة السارع على إحدى أغنياته في أوج نشاطهن.
الكبسي أصدق الفنانين اليمنيين وأكثرهم وفاًء واخلاصًا في التعامل مع الجملة الغنائية. كريم في حسه ويبعث الشجون في قلوب المستمعين.
هذا التدفق كان مصدره الموهبة الأصيلة بداخل الفنان والتربية الفنية أيضًا؛ فوالده عبدالله الكبسي شاعر غنائي قدير وقد أنشأ فؤاد على حب الفن حتى تشربه ووصل إلى ذروته.
صنعاء المدينة اللعوب لا أظنها ممتنة لأحد كالكبسي، الكبسي الذي غنجها وجعل لهجتها جمهورية نساء يغدقن بخصورهن على الجميع. اللهجة بحد ذاتها تُريح السامع فكيف لو تحولت إلى جمل غنائية تُلحن وذاك مافعله الكبسي.
من الواضح أن صنعاء خُلقت للزنط والهنجمة وهي مدللة طوال الوقت.
وما ميز الكبسي عن غيره هو إنه تمسك بالجمال حتى أصبح جميلًا وفنانًا له مكانته.
بكيثر من أغانيه تشعر إلى مدى عامل صنعاء برقة ولطف وحرص عليها أكثر من عينيه وهو يغني جملاً صنعانية يكاد قلب السامع ينغمر بالجمال من شدة حلاوتها.
“تقولوا ليش هجرني ليش.. معلم أو كذا غير طيش ..لمه ما عد راعى العيش وكلا قد فعل باصله” كم تشجيني هذه الأغنية. وحين يغني “أسعد مساك يا قمري المدينة” يظن السامع وقتها أن كل جميلة في المدينة تسمعه وهو يردد بعد الفنان هذه الأغنية، وكأنه يمنح مستمعيه كل قمري في صنعاء.
أحببت البونية وبير العزب وشبام كوكبان وصنعاء القديمة قديمًا من أغاني الكبسي وحين عرفت كل تفصيل في صنعاء حبتني صنعاء بالمقابل ولعلها كرامة لا ينالها الجميع. لقد وصلت إلى قناعة بأن الفن والجمال في اليمن، بكل تلاوينه، هو صنعاني وبقية فروعه في البلاد نتذوقها بشكل نسبي.
أما صنعاء فهي المُطلق، بأهلها، بلهجتها، بغنائها، برقصها، بجوها. “صنعاء حوت كل فن” السلام على من قال هذا ومن قال أيضًا “ما في المدن غير صنعاء ولا البوادي رصابة”. والتحية لفناننا القدير فؤاد الكبسي.