سلطت مطالبة رئيس البرلمان من رئيس الحكومة معرفة تفاصيل الموازنة المنفقة خلال العام الماضي 2021م ، الضوء على استمرار عمل حكومات الشرعية دون تقديم أي موازنات مالية توضح حجم الإيراد وحجم الانفاق.
فمنذ عام 2015م والذي تفجرت فيه الحرب ، دأبت حكومات الشرعية على العمل دون الكشف عن حجم الإيراد المحصل وحجم الإنفاق تحت ذريعة ظروف الحرب ، بإستثناء عام 2019م الذي أعلنت فيه حكومة معين عبدالملك عن أرقام تقديرية لمشروع موازنتها دون أي تفاصيل.
وجاء مشروع الموازنة متضمناً الإيرادات والنفقات على مستوى الجمهورية بشكل عام أي تتضمن المناطق المحررة ومناطق سيطرة الحوثي ، ما يصعب من مسألة تحديد اجمالي الإيرادات والنفقات الفعلية.
وبحسب ما نشرته الحكومة حينها في تلك الموازنة فقد بلغ إجمالي تقديرات الموارد العامة، بكافة محافظات الجمهورية 2 تريليون و159 ملياراً، وبلغت تقديرات النفقات على المستوى الوطني نحو 3 تريليون و111 ملياراً ، وبعجز مالي يبلغ نحو 30 بالمائة.
وفي حين لم تقدم الحكومة اي معلومات أو ارقام رسمية حول موازنة 2020و 2021 الا أن تتبع المعلومات الرسمية وغير الرسمية الشحيحة تكشف عن تحصيل الشرعية لإيرادات تقارب الـ 4 تريليون (4000مليار) ريال العام الماضي 2021م بل ويكذب مزاعمها بوجود عجز في النفقات مقارنة بالإيرادات.
المصدر الرسمي الوحيد هنا هو التقارير المالية للبنك المركزي اليمني في عدن ؛ والذي كان أخرها في سبتمبر الماضي وتضمن ارقاماً عن الإيرادات والنفقات للأعوام 2019 ، 2020 وارقام تقديرية حول 2021 استناداً لأرقام وزارة المالية، والذي استند عليها موقع “الرصيف برس”.
وما يعنينا هنا هي الأرقام المتعلقة بعام 2021م حيث يتوقع تقرير البنك أن تصل الإيرادات الى نحو تريليون ونصف ريال يمني (1491مليار) ؛ في حين يتوقع أن تصل النفقات الى 2246 مليار ، بعجز مالي يقدر بـ 755 مليار.
يفصل تقرير البنك التوقعات حول رقم العائدات ؛ فيشير الى توقع بأن تصل العائدات النفطية خلال 2021 الى 888 مليار ريال ؛ وتستند في ذلك الى متوسط سعر لبرميل النفط بنحو 60 دولاراً ؛ في حين انه تراوح خلال العام بين 70 الى 80 دولاراً ؛ كما ان تقرير البنك بُني على اعتماد متوسط سعر صرف للدولار امام الريال بنحو الف ريال في حين انه تجاوز في فترات معينة من العام الماضي حاجز الـ 1700ريال.
بالإضافة الى ان ما تقر به الحكومة حول حجم الانتاج اليومي يتراوح بين 60 – 70 الف برميل بحسب تصريحات لرئيس الوزراء ؛ في حين كشف تقرير حديث صادر عن منظمة الدول العربية المصدرة للنفط ( أوابك ) الى أن انتاج اليمن من النفط الخام وصل الى 95 ألف برميل يومياً.
واذا ما اخذنا الرقم الوارد في تقرير (أوابك) والذي اشار الى أن متوسط سعر البرميل عالمياً خلال 2021 إلى 65 دولاراً ؛ واعتماد متوسط سعر صرف للدولار أمام الريال بـ 1200ريال ؛ فأن عائدات الشرعية من تصدير النفط تفوق تقديرات وزارة المالية الواردة في تقرير البنك ؛ وقد تصل إلى نحو 2500 مليار ريال يمني.
وبالعودة إلى تقرير البنك حول العائدات ؛ يشير التقرير إلى تقديرات العائدات غير النفطية وقدرها بنحو 509 مليار ريال ؛ مقسمة بين إيرادات ضريبية ( تشمل الضرائب والجمارك ) بنحو 280 مليار ريال ، وإيرادات غير ضريبية (تتضمن الرسوم وتحويلات الأرباح) بنحو 229 مليار.
في حين كشف مدير مصلحة الجمارك مطلع هذا العام بأن عائدات الجمارك خلال عام 2021 بلغت لوحدها 571 مليار ؛ وإذا أضيف هذا الرقم مع الإيرادات غير الضريبية فان الرقم يصبح 800 مليار ريال دون احتساب عائدات الضرائب.
وفي ظل غياب رقم رسمي عن عائدات الضرائب المحصلة في المناطق المحررة ، فإنه يمكن الإشارة إلى أن عائدات الضرائب كانت تصل إلى نحو 581 مليار على مستوى محافظات الجمهورية بحسب موازنة 2014م ( كان الدولار حينها بـ 215ريال) ، ما يعني أن إيرادات الضرائب المحصلة في المناطق المحررة لا تقل عن 200 مليار ريال في أسوء الأحوال، وهو ما يرفع رقم العائدات غير النفطية إلى ما فوق التريليون ريال ( 1000مليار).
المتفحص لتقرير البنك لا يجد ذكر أو توضيح لعائدات بيع الغاز المنزلي من قبل شركة صافر في مأرب ، والذي يعد أحد اهم الإيرادات التي تثار حولها الشكوك جراء الغموض حول حجم الإنتاج وحجم العائدات وحقيقة توريدها الى البنك المركزي من عدمه.
الا أن تصريح صدر مؤخراً عن المدير التنفيذي للشركة اليمنية للغاز المسال المهندس محسن وهيط كشف فيه بإن “الشركة أنتجت نحو (26) ألفا و(687) مقطورة غاز خلال العام الماضي” ، أي نحو 60 مليون أسطوانة غاز وبسعر 3350 ريال وهو السعر الرسمي ، ما يعني ان عائداته تصل الى نحو 200 مليار ريال يمني سنوياً.
كما أن هناك موردا أخر لا يقل غموضاً عن الغاز ، الا وهو عائدات بيع المشتقات النفطية للسوق المحلي والمنتجة من مصافي صافر بمأرب وبترومسيلة في حضرموت ، والتي تتجاوز مليون لتر من البنزين والديزل يومياً وبسعر 160 ريالا للتر ، أي ان العائدات تقارب الـ 60 مليار ريال سنوياً.
محصلة هذا التقرير المبنى على مقاربات لما يتم الإفصاح عنه حول العائدات في ظل غياب المعلومة الرسمية ، تؤكد وجود عملية نهب غير مسبوقة لإيرادات المناطق المحررة في ظل غياب تام لأي عملية مراقبة أو محاسبة وبصمت وربما تواطؤ من قبل كل الأطراف والقوى السياسية والنخب ، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن أزمات قاسية وظروف معيشية مؤلمة