مانشيتات

كاميرا”ستار أكاديمي” وكلب “جارتنا”

رئام الأكحلي

“ويؤسفني ذلك،أنني لا أبوح أبدا بأسراري،بل أحب أن تحزر حزرا،حتى أستطيع أن أنفيها متى أردت ” هكذا يقول “ميخائيل ليرمنتوف” في روايته “بطل من هذا الزمان” ولكنني لست آسفة اللحظة،ذلك أن السر الذي سأرويه،وكما هي طبيعة الأسرار التي يمتليء بها هذا الكون،هو في حقيقة الأمر سر “سخيف” متعلق ببرنامج ربما رافق الكثيرين،خاصة في أجزائه الأولى.

كان برنامجا شيقا بحق، يذاع في إحدى القنوات العربية،وبرفقة أخواتي كنا نداوم على متابعته بكل ما أوتينا من “فضول” ذلك أن طبيعتنا كبشر دوما ماتجعلنا شديدي التوق للمكاشفة والحقائق الظاهرة.

” ستار أكاديمي ” كان البرنامج الغنائي الذي لايهم فيه الصوت أبدا،وكأنه يقول للمشاهدين،أن”الفنان الحقيقي” لايحتاج إلى الصوت فقط،بل أن هناك أموراً يجب تعلمها لتأهل أي شخص يمتلك الشغف،والقليل من الموهبة،مع عزيمة كبرى نحو الهدف المنشود،أوربما كان برنامجا تجاريا لا أكثر !

كانت أكاديمية ولكن على طراز”جورج أوريل” حيث يوضع المشتركون فيها أمام كاميرات ترصد كل تحركاتهم منذ أن يستيقظوا من النوم،وحتى يعودون إليه،لا، بل أثنائه حتى، ولازلت أتساءل حتى اللحظة،ماالذي كنت أشاهده وهم يغطون في النوم العميق والذي كانوا بعده ملزمين ونحن معهم “كالملزمين ” بأخذ حصص يومية،إبتداء بحصة الرياضة، ثم “الفوكاليز”،وما سيتبعها من حصص،أما عن حصصنا المفضلات فكانت الرقص،والتمثيل،والتعبير المسرحي وطبعا”طقطقة” أسامة الرحباني.

لقي البرنامج رواجا كبيرا حينها،ولكنه فيما بعد سيتلقى موجة من النقد اللاذع،لاحتوائه على لقطات “مخلة “بالآداب العامة، وانحلاله المجتمعي،وكأنه كان في بداية ظهوره واكتساحه للعالم العربي “حلقات تحفيظ” الأمر يذكرني بأستاذة التحفيظ التي كانت توبخنا إن اخطأنا ببذاءات شتى،تلك المرأة،التي جعلتني أغادر الحلقة دون عودة،عندما سمعتها تقول بأن كل من يشاهد “ستار أكاديمي” كافر،وبأنه سيحشر مع كل أولائك” الفاسقون” المنحلون أخلاقيا”،والذين يعدون جزء من مخطط صهيوني “لعين” لتدمير الأمة!

أذكر بأنني كنت أركض وانا أفكر بعلب الطعام التي يتناولونها،وبرادات المشروبات الغازية،وآلات الموسيقى المتاحة لهم متى شائوا،وطبعا أمنيتي الكبيرة بالمبيت في الأكاديمية ولو ليوم واحد،تلك الأمنيات كانت لحظتها،تكاد تتبخر بفعل صدى صوت أستاذتي كافر..كافر..كافر!

لكنني كنت كسائر الشعوب العربية،الذين دائما ما نندهش، ويسهل السيطرة علينا،و لأن الأوهام -كما يقول كولن ولسون- هي التي تجعل الحياة أمراً يُمكن احتماله،كان هناك وهم يرافقني،و كنت جرائه أؤمن بأن كاميرات “ستار أكاديمي” تتابعني حيثما ذهبت،لذا فقد كنت دائمة التصرف بحذر،كيف لا وهناك جمهور عريض يراقبني،ويرصد تحركاتي كاملة،ربما لأجل هذا الأمر لم أتلفظ بالبذائة يوما،ولم أعامل أحدا بعنف،ووقاحة،كان برستيج ” المشاهير” يهذب طباعي،ولقد كان لكاميرا ستار أكاديمي دورا في جعلي أكتسب هذا التهذيب حسب ظني.

في الواقع،قد يحدث أن تصادفك أشياء لم تكن يوما على الحسبان،فيختل توازنك بفعلها وتنقلب حياتك،وكل ما آمنت به رأسا على عقب،كقصة “حب “مباغته مثلاً،أو إنقلاب عسكري يعيث في الأرض فساداً،أو ربما “حادثة” صغيرة كتلك التي حدثت لي مع كلب جارتنا ،فلقد كانت المرأة تملك كلب شرس،رغم صغر حجمه،و كانت تقيده بسلاسل حديدية خشية أن يتسبب لها بكارثة ما،بينما كنت أنا بدوري ” هاتف أمي الجوال” الذي “تشوطبه” مجيئة وذهاب،حين تريد التواصل مع جارتنا.

وبالطبع كنت أتجول برفقة ” الكاميرات” و”أضواء الشهرة ” التي كانت تبلغ أوجها “سلبا” أمام ذاك الكلب الذي كنت أدعي الصلابة في وجهه،بينما يكاد الفزع يتمكن مني،ومكابرةوكطبيعة “الكلاب” كنت أفرد عضلاتي تنمراً عليه،وأتعمد استفزازه معولة على قوة السلاسل التي تقيده،والتي لم يخطر لي يوما بانه سيكون قادرا على التخلص منها،آه كم كنت مخطئة،لأن اليوم الذي بقي فيه الكلب دون سلاسل قد جاء !

يومها أنا لم ألحظ أن الكلب كان “حراً”،واستمريت كعادتي بممارسة طقوس إستفزازه،ولأن التراكمات كانت قد أثقلت كاهل الكلب المسكين،وجدته “فجأة”يركض نحوي بجل سرعته،رباه كم كان صدى نباحه الغاضب يزلزل السماوات والأرض من حولي، حتى كاد يغمى علي،حينها لم أستطع الهرب،و شعرت بأنني كنت عاجزة تماما،حتى أن قدماي تخلتا عني،ولقد كان خذلان مريع،أجبرني على الاستسلام،والإنهيار أمام هذا السعار المشحون بالغيض المتراكم،لو لا تدخل جارتي باللحظات الأخيرة،لأنقاذي !

أذكر بأنها أبعدت يداي المرتعدتان من على وجهي،ثم باغتتني ب”طرشة” ماء غادرة،مسحتها من على وجهي،وركضت ممتلئة العينان إلى أمي،متناسية تماماً وجود ” الكاميرات”،وجمهوري العريز،ذاك الذي أظن بأنه قد توقف عن متابعتي منذ ذاك الحين.

ربما!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق