مانشيتات

حبل سري

عبد الحميد الكمالي

 كل البشر على هذه المعمورة يمتلكون معتقدات لا نقاش فيها , وهي أمور مسلمة بعيدة عن دائرة النقاش أو التساؤل،وتظل خالدة في أعماق المرء الذي لا يعرف سببها أو منبعها،حب يدفع بالبشر للتضحية ويحملها الجميع بلا استثناء .

فحينما تضعُ امرأة ما مولودها يكون في داخلها حب وانتماء لا مثيل له لهذا الطفل،فعلى مدى تسعة أشهر كان هو في طور التطور والنمو في أحشائها رغم عقباته ومتاعبه ومشقة الولادة المتعسرة الذي في الغالب تنتهي بعملية قيصريةمؤلمة , ثم يأتي المولود في يوم بهيج وفرح عائلي حينها يغمر من أبويه بحب خرافي ويبدأ والديه برسم مستقبله ومراحل نموه في خيالهم وقد يختاروا حينها تخصص دراسته وأفكار حول زواجه مستقبلاً.

ويقال ( أن الإنسان لا يتمنى أن يصبح أحد أفضل منه سوى أبنه ) فأولى لحظات المولود في الحياة يحتار الوالدين بتسميته وقد يستشيرون الأقرب من عائلاتهم , يضعون تسميات تيمنناً بأشخاص حاضرين أو راحلين أعزاء , وفي الأغلب أسماء دارجة , وبعد وضع الأسم للمولود يُكتب بجانب اسمه تاريخ ميلاده وديانته , وقد تختلف ديانة المواليد في بلد واحد , فمثلاً في دولة مصر أو الهند , قد يكون المولود مسلماً أو مسيحياً أو بوذياً أو هندوسياً أو إي ديانة أخرى , وهذا أمر طبيعي ليتبع والديه في ديانتهم, وهذا الأمر لا يحتمل الغرابة , لكن يتبقى شيء أساسي في بطاقة المولود الذي رافقناه منذ البداية , فهنا قد تختلف الاسماء وتاريخ الميلاد , والديانة , والعمر , واللون , والامنيات والاحلام ، ويبقى شيء ثابت أساسي لا يتغير ولا جدال في الإنتماء له وحبه وهو الإنتماء للوطن , فيكتب فس شهادة ميلادة أنه يمني ووطنه اليمن ، الوطن الذي لن يسأل أبن من أنت…؟ أو كيف أتيت…؟ ومتى ولدت…؟ ولن يسألك الوطن أيضاً ما هي ديانتك , فينمو هذا المولود ليعشق الوطن دون تدخل إي شخص آخر، ليكون الوطن ملكاً للجميع بدون إي تفرقة ، فتبدأ مشاعر الطفل بالنمو وحب والديه وتكون الأم أكثر لاسيما أنهم كانوا على مدى أشهر متصلين بحبل سري قطع أثناء الولادة، فيكون حب الأم عظيماً وبذات الوقت هناك حبل سري لا ينقطع منذ ولادة الطفل حتى مماته بحبه وعشقه للوطن.

حتى أولائك الذين فرضت الحياة عليهم العيش خارج الوطن يتركون وصية مطلعها أن يدفنوا في أرض الوطن الذي ظل مرتبطاً معهم بحبل سري غير مرئي رغم عيشهم خارج أرض ولادتهم .

يحق لكل يمني أن يفخر بوطنه أن يتمنى أن يكون وطنه كما يتمناه الجميع , وما يحصل منذ تسع سنوات هو فهم مغلوط للوطنية ، فالوطنية هي التي لا تأتي بالقتل والحرب التي ننتهجها ككل في وقتنا الحالي.

الجبهات مليئة باليمنيين في كلا الجانبين جميعهم يمنيين لهم الحق بعشق هذا الوطن , لكن ليست بالطريقة التي يمضون بها والأسلوب الذي يتبعوه لإثبات الوطنية , والنهج الذي أصبح بعناوين تعصب وسقوط جبهات واستعادة تباب أستراتيجية , وضخ الوطنية لأسماء مستهلكه وعلى حساب الوطن.

الوطنية لا تأتي مع الحروب ولا تأتي مع التشريد والنزوح والدمار , الوطني هو من سيصنع السلام , من سيجعل جميع المتحاربين في طاولة حوار واحدة من أجل البلد من أجل الشعب من أجل الأرض والإنسان, من يحقق أمنية أكثر من خمسة وثلاثين مليون يمني بأن تتوقف الحرب , من يؤمن بداخله أن الوطن يتسع للجميع بلا إختلاف ولا إستثناء , أن تنتهي رسائلنا اليومية التي نتبادلها عن إصابة جريح واستشهاد قريب أو صديق إلى رسائل محبة وسلام وبناء وطن .

ملايين اليمنيين سئمت من الحرب الدائرة في البلد ولا يهمها سوى كيف يعود البلد مثلما كان قبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق